كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

لقول أهل السُّنَّة من حيث إنَّ أفعال الرب تعالى لا تُعَلَّل بالأغراض، وأن تفسيره بالاشتمال على حِكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم لا يدفع هذا المحذور؛ لأنَّ المعنى أنه لأجل ذلك شرعه، فهو الباعث والداعي.
فإذا قلت: (الربُّ تعالى حَرَّم الخمر؛ لأجل الإسكار)، فجعلتَ فِعلهُ لغرض، والرب منزه عن ذلك؛ لأن مَن فَعل فِعلًا لغرض لا بُدَّ أن يكون حصول ذلك الغرض بالنسبة إليه أَوْلى مِن عدم حصوله وإلا لم يكن غرضًا. وإذا كان أَوْلى، اكتسب به فاعلُه صفة مدح ويكون حصول تلك الأولوية لله تعالى متوقفة على الغير، فتكون ممكنة غير واجبة؛ فيكون كمالُه تعالى ممكنًا غير واجب، وهو مُحال.
قلت: إذا حُمل كلام الآمدي وابن الحاجب على أحد أمرين، كان كلامهما سديدًا:
أحدهما: أن يكون المراد أن شرعه لذلك على وَفْق مصلحة للعبد أرادها الله تعالى له، وهو الذي خلقها، وذلك من فضله وإحسانه، لا أنه واجب عليه؛ إذ لا يَلزم مِن قولنا: (إن الحكمة مقصودة للشارع) الإيجابُ عليه، بل بالمعنى الذي قررناه.
ثانيهما: أن يُفَسر الباعث بما يُفسَّر به قول الفقهاء: (إن الله حَكم بكذا لِعِلة كذا، أو لمعنى كذا). فإنه ليس مرادهم تأثيره فيه لا بالذات ولا بغيرها، بل يَعْنون أن العلة باعثة للمكلَّف على الامتثال. كقولنا: حفظ النفوس يبعث المكلفين على فِعل القصاص الذي حَكم به الله تعالى، لا باعث للشرع على شرعية القصاص. كما نبه على ذلك الشيخ تقي الدين السبكي، وسيأتي في النَّظم التعرض له لما يترتب عليه من بيان أقسام العلة والطرق الدالة عليها.
نعم، ينبغي أن يتجنب الألفاظ الموهمة، فالاعتراض إنما يتوجه عليها بهذا الاعتبار. ولهذا قال تقي الدين أبو العز المقترح: مَن فسر العلة بالباعث للشارع على الحكم أو الحاملة له على ذلك أو الداعية إنْ أراد به إثبات غرض حادث له فهو محال قررنا بطلانه في علم التوحيد، وإن أراد به أن يعقبها حصول الصلاح في العادة فسميت "باعثًا" تَجَوُّزًا فهذا لا

الصفحة 1900