كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 5)

الرابع:
مِن وجوه الإيماء: أنْ يذكر مع الحكم وصفًا مناسبًا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقضي القاضي وهو غضبان" (¬١). رواه الشافعي - رضي الله عنه - بلفظ: "لا يحكم الحاكم أو لا يقضي بين اثنين" (¬٢). ورواه أصحاب الكتب الستة بلفظ: "لا يقضِين حاكم بين اثنين وهو غضبان" (¬٣). ففيه التنبيه على أن علة ذلك ما فيه من تشويش الفكر، ثم يطرد ذلك في كلِّ مُشَوِّش؛ لأن خصوص كونه غضبان ليس هو المناسب للحكم؛ فيلحق به الجائع والحاقن ونحو ذلك.
وقال الإمام الرازي: (لا مُلازَمَة بين التشويش والغضب) (¬٤).
لأن التشويش إنما ينشأ عن الغضب الشديد، لا مُطْلَق الغضب.
وأجيب عنه بأن الغضب مظنة التشويش؛ فكان هو العلة، كالسفر مع المشقة. وكل ما كان مظنة من جوع ونحوه يكون كذلك.
واعلم أن هذا سبق التمثيل به لِمَا أجمعوا على أنه علة، فالمراد بالتمثيل به هنا أن يكون في الابتداء قبل أن يُجْمِعوا.
---------------
(¬١) سبق تخريجه.
(¬٢) مسند الإمام الشافعي (ص ٢٧٦).
(¬٣) صحيح البخاري (رقم: ٦٧٣٩) بلفظ: (لَا يَقْضِيَنَّ حَكَم بين اثْنَيْنِ وهو غَضْبَانُ)، صحيح مسلم (١٧١٧) وسنن النسائي (٥٤٠٦) بلفظ: (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)، سنن أبي داود (٣٥٨٩) بلفظ: (لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان)، سنن الترمذي (رقم: ١٣٣٤) بلفظ: (لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان)، سنن ابن ماجه (٢٣١٦) بلفظ: (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان). وانظر: إرواء الغليل (٢٦٢٦).
(¬٤) المحصول في أصول الفقه (٥/ ١٥٧).

الصفحة 1954