كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 5)

علما باعتبار السبر الأول والتقسيم مِن غير نظر إلى السبر الثاني خِلاف الظاهر.
وإنما ينبغي أن يجاب بأنَّ المؤثِّر في عِلْم العِلية إنما هو السبر، وأما التقسيم فإنما هو لاحتياج السبر إلى شيء يُسْبَر. وربما سُمي ذلك بِـ "التقسيم الحاصر" كما هو عبارة البيضاوي.
وهو ضربان:
أحدهما: ما يكون الحصر في الأوصاف وإبطال ما يبطل منها قطعيًّا، فيكون دلالة قطعية بلا خلاف. ولكن هذا قليل في الشرعيات.
ثانيهما: ما يكون حصر الأوصاف ظنيًّا أو السبر ظنيًّا أو كلاهما وهو الأغلب، فلا يفيد إلا الظن. ويُعمل به فيما لا يُتعبَّد فيه بالقَطْع من العقائد ونحوها.
كقول الشافعي مثلًا: ولاية الإجبار على النكاح إما أن لا تُعَلل أو تُعَلل. وحينئذٍ فإما أن تكون العِلة البكارة أو الصغر أو غيرهما. وما عدا القِسم الثاني باطل. الأول والرابع بالإجماع. وأما الثالث فلأنه لو كانت العلة الصغر لَثبت على الثيب الصغيرة، وذلك باطل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيم أحق بنفسها" (¬١). أخرجه مسلم. والأيم: هي الثيب.
وأما ما استُفيد الحصر فيه مِن كون الأصل عدم ذلك فيسمى "التقسيم المنتشر"، ويحتج به باعتبار استناده للأصل.
مثاله: أنْ يقال في علة الربا فيما عدا النقدين من الربويات: إنها إما الطعم أو الكيل أو القوت. والثاني والثالث باطلان؛ فَتَعَيَّن الطعم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطعام بالطعام" (¬٢) الحديث، فعلق بالطعام وهو مشتق من الطعم، فيكون مُعللًا بما منه الاشتقاق. وهذا دليل على أن غير
---------------
(¬١) سبق تخريجه.
(¬٢) صحيح مسلم (١٥٩٢).

الصفحة 1959