كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

حكاهما الماوردي في أنها هل هي قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن؟ أو على سبيل الحكم؛ لاختلاف العلماء فيها؟
ومعنى "سبيل الحكم" أنه لا تصح الصلاة إلا بها في أول الفاتحة، ولا تكون قراءتها بكمالها إلا بها. قال: وجمهور أصحابنا على أنها قرآن حُكمًا، لا قطعًا.
قال ابن السمعاني: فيكون قرآنا عملًا، لا عِلمًا. قال: كالحجر من البيت في الطواف لا في الاستقبال، فهو حُكمي، لا قطعي.
وكذا ضعَّف الإمامُ القولَ بأنها قرآن قطعي، وقال: إنه غباوة عظيمة من قائله؛ لأن ادِّعاء العِلم حيث لا قاطع مُحَالٌ.
وصحح أيضا النووي القول بأنها حُكمي، واستند إلى منع تكفير النافي لها إجماعًا كما هو المعروف. وإن كان العمراني حكى في "زوائده" عن صاحب "الفروع" أنَّا إذا قلنا: إنها من الفاتحة قطعًا، كفَّرنا نافِيها، وفسَّقنا تاركها.
لكن لا التفات لذلك، ومن أجل ذلك قال ابن الحاجب: (وقوة الشبهة في "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" منعت من التكفير من الجانبين) (¬١).
أيْ: جانب المثبتين لها (كالشافعية) والنافين لها (كالأئمة الثلاثة والقاضي أبي بكر).
لكن هذا إنما هو إذا أثبتناها قرآنًا قطعيًّا، أما إذا أثبتناها حكميًّا، فليس هنا مُقْتَضٍ للتكفير حتى يُدْفع بالشُّبهة، وكذا إذا قُلنا: إنه قطع بتواترها عند القائل به دُون غيره، أو: إنَّ القطع بالقرائن كما سبق.
على أن القطع وحده لا يوجب تكفير النافي، بل لا بُدَّ أن يكون المقطوع به مجمعًا عليه
---------------
(¬١) مختصر المنتهى مع شرح الأصفهاني (١/ ٤٥٧).

الصفحة 506