كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

لكن كلام الرافعي يقتضي جواز القراءة بالشاذ من غير أنْ ينبه على تفسير "الشاذ" بغير المشهور فيه، فإنه قال: تسوغ القراءة بالسبع وكذا بالقراءة الشاذة إن لم يكن فيها تغيير معنًى ولا زيادة حَرْف ولا نقصانه.
وزعم النووي في "شرح المهذب" أن كلام الرافعي في الصحة، لا في الجواز. يعني: فلا يبقى في كلامه إشكال. وكأنه يريد بذلك أن كلام الرافعي في صحة نقلها وثبوتها بالسند الصحيح، لا في جواز القراءة بها، ولكنه تأويل بعيد، وقد جزم هو في "الروضة" بأنه تصح الصلاة بالقراءة الشاذة إنْ لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه.
وقولي: (وَذَاكَ بَعْدَ سَبع تُقْرَأُ) إشارة إلى تفسير "الشاذ"، وهو لُغةً: المنفرد. واصطلاحًا: ما لم يتواتر من القراءات. أما الشذوذ في الأحاديث فسيأتي بيانه.
وقد اختُلف في ضبط القراءة الشاذة، فالمشهور أنها ما وراء السبعة المعروفة، وهو ظاهر كلام الرافعي السابق؛ ولذلك جريتُ عليه في النَّظم.
ونُقل عن البغوي أنه ما وراء العشرة، أي: هذه السبعة مع يعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القَعْقَاع. واختار هذا الشيخ تقي الدين السبكي وغيرُه، وقالوا: إنَّ قراءة الثلاثة المذكورين تواترت كالسبعة. وقد حكى البغويُّ في تفسيره الإجماعَ على جواز القراءة بها. قال أبو حيان وهو من أئمة هذا الشأن: لا نعلم أحدًا من المسلمين حظر القراءة بالثلاثة الزائدة على السبع، بل قُرئ بها في سائر الأمصار.
وقال الشيخ تاج الدين السبكي: (القول بأنها غير متواترة في غاية السقوط، ولا يصح القولُ به عمَّن يُعتبر قوله في الدِّين). انتهى
قال القاضي أبو بكر بن العربي في "القواصم": (ضَبْط الأمر على سبع قراءات ليس له أصل في الشرع، وقد جمع قومٌ ثماني قراءات، وقومٌ عشرًا).

الصفحة 513