كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

الأقوال، وليس هذا موضع بَسْطها.
وقولي: (نَعَمْ، يَكُونُ حُجَّةً) إلى آخِره - إشارة إلى أن القراءات الشاذة إذا صح سندها، فالصحيح أنه يُحتج بها؛ لأنه إذا بطل خصوص كوْنها قرآنًا لِعَدم التواتر، يبقى عموم كوْنها خبرًا. وقد أطلق الشافعي - فيما حكاه البويطي عنه في باب الرضاع وفي تحريم الجمْع - الاحتجاجَ بها، وعليه جمهور أصحابه، كالقضاة: الحسين وأبي الطيب والروياني، وكذا الرافعي. وقد احتجوا على قطع اليمين من السارق بقراءة ابن مسعود: "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم".
ونقله ابن الحاجب عن أبب حنيفة، حيث احتج على وجوب التتابع بما نُقل عن مصحف ابن مسعود: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" بعد أنِ اختار - تبعًا للآمدي ونسبه للشافعي - أنه ليس بحجة.
وكذا قال الأبياري في "شرح البرهان": إنه المشهور من مذهب مالك والشافعي.
وقال النووي في "شرح مسلم": إنه مذهب الشافعي. قال: لأن ناقلَها لم ينقلها إلا على أنها قرآن، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر. وإذا لم يثبت قرآنا، لم يثبت خبرًا.
وكذا زعم إمام الحرمين في "البرهان" أن الشافعي إنما لم يقُل بالتتابع كأبي حنيفة لأنَّ عنده أن الشاذ لا يُعمل به، وتبع الإمام في ذلك أبو نصر القشيري والغزالي في "المنخول" وإلْكِيا وابن السمعاني. ولكن المذهب إنما هو ما سبق عن نَص البويطي وغيره، فهو الأرجح.
ومسألة التتابع حكى الماوردي فيها قولًا بالوجوب احتجاجًا بقراءة "متتابعات"، ولكن الأرجح لا يجب، لا لكون القراءة الشاذة غير حُجة؛ بل لأنها إنما نُقلت تأويلًا، لا قراءةً، أو لمعارضة ذلك بقول عائشة - رضي الله عنها -: (نزلت "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، فسقطت

الصفحة 515