كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

وقال ابن حزم في "المحلى": (نقل تواتر يوجب العلم) (¬١).
قال: (ومن ذلك أحاديث النهي عن الصلاة في [معاطن] (¬٢) الإبل، وحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد وحديث قول المصلِّي: "ربنا ولك الحمد") إلى آخِره.
وجواب ذلك: يحتمل أنَّ مراد قائل ذلك بِـ"المتواتر" إنما هو المشهور، كما يعبر به كثيرا عنه، أو أنها متواترة معنًى، أو غير ذلك، وإلا فالواقع [فقْدان] (¬٣) شرط التواتر في بعض طبقاتها. وإلى هذا أشرت بقولي: (بَلْ نَفْيُ غَيْرِ الْمَعْنَوِيْ فِيهَا قُبِلْ).

وأما الإجماع فنقله بالتواتر كثير. نعم، وقع خلاف في أصل الإجماع إذا قُلنا بإمكان تصوُّره: هل يمكن معرفته والاطِّلاع عليه؟ فأثبته الأكثرون كما قاله الآمدي، ونفاه الأقلُّون، ومنهم أحمد بن حنبل، في إحدى الروايتين عنه أنَّ مُدَّعي الإجماع كاذب.
ولكنه محمول على:
- الاستبعاد، أيْ: يَبعد مع كثرة العلماء وتفرقهم في البلاد النائية أنْ يَعرف الناقل عنهم اتفاقَ معتقداتهم مع إمكان أن يكون قوله أو فعله المنقول عنه مخالفًا لمعتقده؛ لغرضٍ ما. وبتقدير تسليمه فقدْ يرجع عنه قبل الوصول للباقين، فالورَع أنْ لا يُنقل؛ [لذلك] (¬٤)، ولأنه قد يكون ثَم مخالف لم يُطَّلَع عليه.
- أو أنه قال ذلك في حَق مَن ليس له معرفة بخلاف السلف؛ لأن أحمد قد أطلق القول بصحة الإجماع في مواضع كثيرة.
---------------
(¬١) المحلى (٢/ ٨٣).
(¬٢) في (ز): مواطن.
(¬٣) في (ش): فقد.
(¬٤) في (ق، ت): كذلك.

الصفحة 519