كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

قال الماوردي ومن بعده: (لا يراعى فيه عدالة المخبر، وإنما يراعى سكون النفْس إلى خبره، فيقبل من كل بر وفاجر، ومسلم وكافر، وحر وعبد، فإذا قال الواحد منهم: "هذه هدية فلان إليك"، أو: "هذه الجارية وهبها فلان لك"، أو: "كنت أمَرتَه بشرائها فاشتراها"، كُلِّف المخبَر قبول قوله إذا وقع في نفسه صِدقه، ويحل له الاستمتاع بالجارية والتصرف في الهدية، وكذا الإذن في دخول الدار. وهذا شيء متعارَف في الأمصار مِن غير نكير) (¬١).
ويلتحق بذلك خبر الصبي فيه على الصحيح.
قلت: وعَدُّ هذا ونحوه من المعاملات الدنيوية فيه نظر، وإنما ينبغي أن يكون قِسمًا من الديني وقع فيه الإجماع؛ لاطِّراد العادات فيه والتعارف، وإلا فأكل الهدية والتصرف فيها ووطء الجارية حُكم شرعي، ويرشد إلى ما قُلتُه أن الفتوى والشهادة إجماع مع أنهما من الديني أيضًا؛ ولذلك أشار الشافعي في الاستدلال بحمل ما سواهما من الديني عليهما؛ إذْ لا فارق، وذلك أنه لَمَّا صنف كتابًا في إثبات العمل بخبر الواحد، أوسع فيه الباع، وساق فيه نحو الثلاثمائة حديث عُمِل فيها بخبر الواحد.
قال بعد ذلك: ومَن الذي يُنكر خبر الواحد والحكام آحاد والمفتون آحاد والشهود آحاد؟ !
وقد افتتح الشافعي كت هذا الكتاب بحديث: "رحم الله امرأ سمع مقالتي فأداها كما سمعها" (¬٢). الحديث المشهور.
ظ عترض ابن داود بأنه أثبت خبر الواحد بخبر الواحد، فقال أصحابه: إن ما قاله
---------------
(¬١) الحاوي الكبير (١٦/ ٨٦).
(¬٢) سنن الترمذي (٢٦٥٦)، سنن ابن ماجه (رقم: ٢٣٠) وغيرهما، ولفظ ابن ماجه: (نَضَّرَ الله امْرَأً سمع مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا). قال الألباني: صحيح. (صحيح سنن الترمذي: ٢٦٥٦).

الصفحة 527