كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

باطل؛ لأن الشافعي - رضي الله عنه - إنما استدل بما تضمنه مجموع ما ذكره من الأحاديث، وسنشير إلى بعض شيء منها.
وحاصل ما في العمل بخبر الواحد في الأمور الدينية من الخلاف المنتشر المشهور أقوال:
أحدها: أن العمل به جائز عقلًا، وواجب سمعًا. وهو قول الجمهور. قال أبو العباس ابن القاص: لا خلاف بين أهل الفقه في قبول خبر الآحاد، وإنما دفع بعض أهل الكلام خبر الآحاد لعجزه عن السُّنن، زعم أنه لا يقبل منها إلا ما تواتر بخبر مَن لا يجوز عليه الغلط والنسيان، وهذا ذريعة إلى إبطال السُّنن، فإنَّ ما شَرَطَه لا يكاد يوجد إليه سبيل.
وقد استدل الشافعي بقضية أهل قباء لَمَّا أتاهم آتٍ وقال: إن القبلة قد حولت. فرجعوا إليه (¬١)، وبإرساله - صلى الله عليه وسلم - عماله واحدًا بعد واحد؛ ليخبروا الناس بالشرائع. وبسط كلامه في ذلك في "الرسالة" بسطًا شافيًا.
ومما احتجوا به أيضًا قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]، وقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢]، وغير ذلك من الأدلة.
ولسنا بصدد ذلك في هذا الشرح المختصر، فأصحاب هذا القول اتفقوا على أن الدليل السمعي دل عليه من الكتاب والسُّنة وعمل الصحابة ورجوعهم كما ثبت ذلك بالتواتر. واختلفوا في أن الدليل العقلي هل دَلَّ على وجوب العمل مع ذلك؟ أم لا؟
فالأكثرون على المنع، وهو معنى قولي في النظم: (سَمْعًا) أيْ: فقط؛ إذ مفهومه أنه لا يُعمل به بغير السمع.
وذهب الأقلون إلى أن العقل دل أيضًا، فنقل ذلك عن أحمد وابن سريج والصيرفي
---------------
(¬١) صحيح البخاري (رقم: ٤٢١٦)، صحيح مسلم (رقم: ٥٢٧).

الصفحة 528