كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

والقفال - مِنَّا - وأبي الحسين البصري من المعتزلة.
قالوا: لاحتياج الناس إلى معرفة بعض الأشياء من جهة الخبر، وفي ترك ذلك أعظم الضرر، ولأن العمل به يفيد دفع ضرر مظنون؛ فكان العمل به واجبًا، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - مبعوث إلى جميع الناس ولا يمكن مشافهة الكل، فلا بُدَّ من بعث الرُّسل، وإرسال عدد التواتر لكل الأقطار قد يتعذر؛ فلا يَلزم ذلك، فوجب قطعًا أن يُكتفَى بالآحاد.
وذكروا نحو ذلك مما لا ينتهض - عند التأمل - أن يدل عقلًا.
وقد استغرب عزو ذلك إلى غير أبي الحسين المعتزلي مع أنهم أئمة أهل السُّنة، فقيل: لأن القفال كان أول أمره معتزليًّا، فَلَعَلَّه قال ذلك وقت اعتزاله، وابن سريج كان يناظر ابن داود، فلعله بالغ في الرد عليه؛ فَتُوُهِّم منه هذا القول.
وأما أحمد - رضي الله عنه - فيمكن الاعتذار عنه بأنه أراد أنه ليس في العقل ما يمنع العمل به، أو قصد ما هو معلوم من أن الأدلة النقلية لا تخلو عن مقدمة عقلية في الدلالة وإنْ كانت محذوفة؛ للعلم بها، فلا منع أنْ يُصرِّح بها عند وجود المعاند. وربما يُعتذَر عن الجميع بذلك.
ومَن قال بهذا فوجوب العمل به عنده قطعي، ومَن قال بالأول فكذلك أيضًا؛ لأن ما استدلوا به مقطوع به بالضرورة.
قال ابن دقيق العيد: والحقُّ عندنا في الدليل - بعد اعتقاد أن المسألة عِلمية - أنَّا قاطعون بعمل السلف والأُمة بخبر الواحد، وهذا القطع حصل لنا من تتبعُّ الشريعة وبلوغ جزئيات لا يمكن حصرها، ومَن تتبَّع أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين وجمهور الأُمة - ما عدا الفِرقة اليسيرة المخالفة - عَلِم ذلك قطعًا.
واعْلَم أن إمام الحرمين أول "البرهان" قال: (إنَّ إطلاق وجوب العمل بخبر الواحد فيه تساهُل؛ لأن نفس الخبر لو أوجب العمل لَعُلِم ذلك منه، وهو لا يثمر عِلمًا، وإنما وجب

الصفحة 529