كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

ولا تفريط.
وأما في الشرع: فهي مَلَكَة مانعة من اقتراف كبيرة، ومن إصرار على صغيرة.
فَـ "مَلَكَة" جنس، وهي الصفة الراسخة في النفْس. أما الكيفية النفسانية في أول حدوثها قبل أن ترسخ فتسمى "حالًا"، و [لذلك] (¬١) عِيبَ على صاحب "البديع" في تعبيره بأن "العدالة": (هيئة في النفس) إلى آخِره؛ لشمولها الحال والملكة.
ويعرف هذا الرسوخ بغلبة الطاعات كما قال الشافعي في "الرسالة" ما نَصه: (وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه، وإنما علامة صدقه ما يخبر عن (¬٢) حاله في نفسه، فإذا كان الأغلب من أمره ظاهر الخير، قُبل) (¬٣). انتهى
وهو معنى قول ابن القشيري: إن الذي صح عن الشافعي أنه قال: ليس في الناس من يُمحض الطاعة فلا يمزجها بمعصية، ولا من المسلمين من يمحض المعصية ولا يمزجها بالطاعة، فلا سبيل إلى رَد الكل ولا إلى قبول الكل. فإنْ كان الأغلب من أمر الرجُل الطاعة والمروءة، قبلت شهادته وروايته. وإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة، رددتها.
وكذا جرى على نحو ذلك أبو بكر الصيرفي وغيره. وما أحسن ما تأسى بذلك محمد بن يحيى في تعليقته، فقال: (العدل مَن اعتاد العمل بواجب الدِّين، واتبع إشارة العقل فيه برهَةً من الدهر حتى صار ذلك عادةً ودَيْدنًا له، والعادة طبيعة خامسة، فيغلب دينه بحكم التمرين و [الترسخ] (¬٤) في النفس، فيوثق بقوله، بخلاف الفاسق، فإنه الذي يُتبع نَفْسه
---------------
(¬١) في (ز): لهذا.
(¬٢) في "الرسالة، ص ٤٩٣": (علامة صدقه بما يُختبر من حاله في نفسه).
(¬٣) الرسالة (ص ٤٩٣).
(¬٤) في (ق، ظ، ت): التولج.

الصفحة 537