كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

هواها، فأَلِفَ ارتكابَ المحظورات واقتضاء [الشهوات] (¬١)؛ فضَعُف وازع الدِّين بسبب ذلك، فلا يُوثق بقوله). انتهى
وخرج بِقَيْد كَوْن الملكة مانعة من اقتراف الكبيرة والإصرار على الصغيرة: مَن لا تمنعه من ذلك، وهو الفاسق، وسيأتي بيان ذلك موضَّحًا.
فإن قلتَ: فقد أَدْخَل الشافعي في العدالة تعاطي المروءة، وكذا في عبارة الأكثر من الفقهاء والأصوليين، حتى جرى على ذلك من المتأخرين البيضاوي وغيره، وعبارة صاحب "جمع الجوامع" في تعريف العدالة: مَلَكَة تمنع من اقتراف الكبائر وصغائر الخِسة والرذائل المباحة وهوى النفس.
فأشار بِـ"صغائر الخسة" إلى نحو سرقة لقمة، و"الرذائل المباحة" إلى ما يُخل بالمروءة منها، كالبَول في الطريق ونحوه مما سنذكره في موضعه. وبِـ"هوى النفس" إلى ما ذكره والده الشيخ تقي الدين - من تفقهه - من الاحتراز به عن انبعاث الأغراض حتى لا يملك نفسه عن اتباع هواها وإلا لخرج بذلك عن الاعتدال.
فلِمَ أسقطتها من التعريف؟
فالجواب عن إدخال المروءة أن مراد الشافعي ومَن تبعه على ذلك ذكر العدالة المعتبرة في الشاهد والراوي، لا العدالة من حيث هي، فضمنوا المروءة معناها لذلك، وإنما هي في الحقيقة شرط في قبول الشهادة والرواية كما يشترط فيها الضبط، ولا تدخل في حقيقة العدالة؛ ولهذا ترى في كُتب أصحابنا - كما في شرحَي الرافعي و"الروضة" وغيرها - جَعْل العدالة والمروءة شرطين متغايرين، فلو دخلت المروءة في العدالة لَاكتفي بالعدالة وجعلت شرطًا واحدًا.
---------------
(¬١) في (ص): المشهورات.

الصفحة 538