كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

"كثير الرماد" إلا عند وجود رماد حقيقةً وإلا لكان كذبًا؛ لأنه بلا تأويل. فإنْ كان المراد الكَرَم ليس إلَّا، فهو مجازٌ، إلا أنْ يُقال: إنما يكون كذبًا أنْ لو أريد باللفظ المعنى الحقيقي بالذات فقط، فأما إنْ أريد به التوصل إلى المعنى اللازم، فلا يكون كذبًا.
فإنْ قِيل: هل يُطابق تفسيرُ "الكناية" بما ذُكِر تفسيرَ الأصوليين والفقهاء بأنها اسمٌ استتَر فيه مرادُ المتكلم؛ لِتردده بين محتملين؟ كقوله في البيع: "جعلته لك بكذا"، وفي الطلاق: "أنت خَلِيَّة"، فيدخل في ذلك المجمَل ونحوه مما لم تتضح دلالته، مأخوذًا مِن "كَننتُ" و"كَنيتُ" إذا لم تُفْصح بالشيء.
ويقابلها "الصريح"؛ لأنه اسمٌ لِمَا هو ظاهر المراد عند السامع بحيث يسبق إلى فَهْمه المراد، ولا يَسبق غيرُه عند الإطلاق. كقوله: (أنت طالق)، و: (أنت حر)، و: (بعتُ واشتريت)، ومنه سُمي القصرُ صَرْحًا؛ لظهوره وارتفاعه على سائر الأبنية.
والغرض من العدول إلى "الكناية" وغيرها إما التحرز عن قبح [الصريح] (¬١)، نحو: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: ٦]، وإما إخفاء المكني عنه عن السامع، أو نحو ذلك.
قلتُ: نعم؛ لأن قوله مثلًا: "حبلك على غاربك" حقيقته إلقاء الحبل على رقبتها، وليس المراد إلا لازِمه فيما يفعل بالبعير عند إرادة تسييبه إلى حيث شاء، وكذا الباقي، فأحَدُ المعنيين لازِمٌ للآخَر، والمقصود اللازم، لا الملزوم؛ فلذلك افتقر إلى نيةٍ تُميزه عن إرادة المعنى الأصلي.
ومِن هنا يخرج جوابُ سؤال، وهو أن من قاعدة الشافعي حمل اللفظ على حقيقته ومجازه، فلِمَ لا يُحمل لفظ الكاني عليهما حتى يقع على كل حال وإنْ لم يَنْوِ؟
---------------
(¬١) كذا في (ص، ز)، لكن في (ت): التصريح.

الصفحة 899