القرآن" منها عشرة أقسام، أغربها أنْ تعمدَ إلى جملة وَرَدَ معناها على خلاف الظاهر فتأخذ الخلاصة منها مِن غير اعتبار مفرداتها بالحقيقة أو المجاز، فتعبر بها عن مقصودك (¬١).
وهذه "الكناية" استنبطها الزمخشري، وخرَّج عليها قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، فإنه كناية عن الملك؛ لأن الاستقرار على السرير لا يحصل إلا مع الملك، فجعلوه كناية عنه (¬٢). وقوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ٦٧] الآية، فإنه كناية عن عظمته وجلاله [مِن غير] (¬٣) ذهاب بالقبضة واليمين إلى جهتين: حقيقة، ومجار.
وقد اعترض الإمام فخر الدين ذلك بأنَّ فيه فتح باب تأويلات الباطنية، فلهُم أنْ يقولوا: المراد مِن قوله تعالى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] الاستغراق في الخدمة مِن غير ذهاب إلى نعل وخلعه، ونظائر ذلك (¬٤).
وجوابه: أن "الكناية" إنما يصار إليها عند قيام دليل على عدم إجراء اللفظ على ظاهره مع قرائن تحتف به دالَّة على المراد كما سبق من الأمثلة، بخلاف خلع النعلين ونحوه.
وقولي: (لَكِنْ بِتَلْوِيحٍ بِغَيْرٍ نُبِذَا) أي: لم يقصد باللفظ الدلالة عليه مع عدم قصد الأصلي، بل المقصود هو الأصلي، والآخَر إنما لُوِّح به من غير أن يكون مقصودًا بدلالة اللفظ، بل مُطَّرحًا، والله أعلم.
---------------
(¬١) البرهان في علوم القرآن (٢/ ٣٠٩).
(¬٢) الكشاف (٣/ ٥٤).
(¬٣) في (ز، ق): فعبر.
(¬٤) مفاتيح الغيب (٢٢/ ٧).