فإنَّ في ذلك تعسُّفًا ونظرًا.
وبنى بعضهم على اشتراط القصد في الكلام مسائل في الفقه، كسجود التلاوة لقراءة النائم والساهي وبعض الطيور وغير ذلك. فكلام أصحابنا مجزوم فيه بعدم الاستحباب في الجميع، ولو حلف لا يكلمه فكلمه وهو نائم أو مغمى عليه، لم يحنث.
السابع: يؤخذ مِن الاقتصار على "مفيد" أيضًا أنه لا يشترط في الإفادة تحصيل عِلم للسامع بما ليس عنده، وقد حكى ابن دقيق العيد أن بعضهم شرط ذلك.
وضُعِف بأنه يَلزم منه أن القضايا البديهية لا يُسمى شيء منها "كلامًا" نحو: (الواحد نِصف الاثنين) وليس كذلك، بل يُسمى "كلامًا"؛ لأنها [فائدة] (¬١) يصح السكوت عليها، والمدار إنما هو على ذلك سواء استفاد المخاطَب [أوْ] (¬٢) لا؛ بدليل أن المخاطَب إذا كان يَعلم حُكمًا وأُخبر به، لا يخرج الكلام بذلك عن كونه كلامًا.
الثامن: يؤخذ مِن إطلاق كونه مفيدًا أنه لا فرق بين أن يصدر مِن متكلم أو أكثر، وذلك بأن يصطلح اثنان على أن يذكر هذا الفعلَ والآخَرُ الفاعلَ، أو أحدهما المبتدأَ والآخَرُ الخبرَ.
وخالف في ذلك القاضي والغزالي في "المستصفى" في الكلام على تخصيص العموم، فشرَطَا اتحاد المتكلم، ونقله ابن مالك في "شرح التسهيل" عن بعض العلماء، ولعله قصد هذين؛ لأن ظاهره أن مَن قال به ليس من النحاة وأن النحاة إنما يطلقون ذلك.
وردَّه بأن الخط لا يخرج بتعدد الكاتب عن كونه كتابة، فكذلك هذا، وممن صحح العموم أيضًا أبو حيان في "الارتشاف".
---------------
(¬١) في (ز): مفيدة فائدة.
(¬٢) كذا في (ص، ض، ش، ق)، لكن في (ز، ت): أم.