والعدم، ولو وُجد أحد القَبولين دُون الآخر لَزِمَ استحالة ذلك [المقبول] (¬١)، فإنْ كان المستحيل هو الوجود، لَزِمَ كون الممكن مستحيلًا، وإنْ كان المستحيل هو العلم، لزم كون الممكن واجب الوجود، وهُما مُحالان، فلا يُتصور الإمكان إلا باجتماع القبولين.
ومنها: ما قاله القرافي في "الفروق" وغيرها: إن الخبر بالوضع اللغوي إنما هو للصدق ولا يحتمل الكذب؛ لأن معنى "قام زيد" حصول قيامه في زمن ماض (¬٢). فالاحتمال للكذب إنما جاء مِن حيث المخبر، لا مِن حيث الخبر.
وجوابه: أن المركب غير موضوع، وعلى تسليم كونه موضوعًا فالواضع إنما وضع نحو "قام زيد" للحُكم بالنسبة، لا لوقوع النسبة، فمدلوله الحكم، لا الوقوع، والحكم محتمل للأمرين من حيث هو.
وأما كونه قد يكون صدقًا قطعًا [فخبر] (¬٣) المعصوم والمعلوم بالضرورة، كقولنا: (الواحد نصف الاثنين) أو بالاستدلال كالحكم بحدث العالم، وقد يكون كذبًا قطعًا كالمعلوم خِلافه ضرورةً أو استدلالًا، فإنما ذلك لأمر الخارج كما قرر الإمام ذلك في "المحصول"، وأطال في الاستدلال عليه، ولا التفات إلى ما تُعُقِّب به عليه، فإنه ظاهر الفساد، وأيضًا فالاتفاق على انقسام الخبر إلى صدق وكذب.
وبهذا التقرير يُعلم جواب مَن قال: (ينبغي التعبير بالتصديق والتكذيب، لا بالصدق والكذب؛ لأن مِن الأخبار ما يحتمل أحدهما دُون الآخَر)، فيُجاب بما سبق.
---------------
(¬١) في (ز، ص، ظ): القبول.
(¬٢) الفروق (١/ ٤٤).
(¬٣) في (ص، ش): كخبر.