كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

للاعتقاد "الشاكُّ"، وهو مَن لا اعتقاد له في شيء مِن الطرفين. كذا حكاه صاحب "التلخيص" البياني فيه وفي "إيضاحه".
قيل: وهو قول غريب لم يَحْكِه سِوى القاضي جلال الدين في هذين الكتابين وإن كان ظاهر عبارة ابن الحاجب تقتضيه أيضًا، لكن شُراحه حملوه على خلاف ذلك.
وجوَّز الخطيبيُّ في شرح "التلخيص" أن يكون [أراد] (¬١) بهذا القول أن بين الصدق والكذب واسطة باعتبار أنه إنْ طابق الاعتقاد فهو صدق، وإن خالفه فكذب، وإن لم يطابق ولا خالف يكون واسطة. وجرى على ذلك في "جمع الجوامع".
قيل: ولا يُعرف هذا القول عن أحد، وإنما إثبات الواسطة على ما سيأتي في الأمر الثاني.
وبالجملة فقد استُدل لهذا القول بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، فسماهم كاذبين مع مطابقة قولهم الواقع.
وأجيب بأن المراد: لَكاذبون في شهادتهم، لا في خبرهم، أو في مطابقتها لِمَا في اعتقادهم، أو في تسميتها "شهادة"، والشهادة هي المطابق لِمَا في الاعتقاد.
الأمر الثاني: وهو أنه لا واسطة بين الصدق والكذب، خالف فيه الجاحظ، فشرط في "الصدق" أن يطابق ما في نفس الأمر والاعتقاد معًا ولو يكون الاعتقاد ظنيًّا كما نقله أبو الحسين في "المعتمد" عنه، و"الكذب" عدم مطابقته لهما. فإن لم يطابق أحدهما سواء طابق الآخَر أوْ لا، فليس بصدق ولا كذب، فيدخل في الواسطة بينهما أربعة أقسام.
وقد استُدل له بقوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: ٨] والمراد الحصر في الافتراء والجنون ضرورةَ عدم اعترافهم بصدقه، فعَلَى تقدير أنه كلام مجنون لا يكون صِدقًا؛ لأنهم لا يعتقدون صِدقه، ولا كذبًا لأنه قسيم الكذب على ما زعموه؛ فثبتت
---------------
(¬١) في (ز، ق، ظ): أراد في التلخيص.

الصفحة 928