كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 2)

الرد عند الوجدان، لا نفس الوجدان.
وجوابه متوقف على معرفة المراد بالرد في قوله: (فَيُرَد).
فإن أراد اقتطاع لفظٍ مِن لفظٍ، فالثاني هو المردود إليه، والمعنى أنه حُوِّل من الأول إلى الثاني حتى صار كذلك، فالرد حينئذٍ عملي، وحيمئذٍ فالإيراد متوجه.
وإن أراد بالرد الاعتبار والعلم، فيكون الثاني مردودًا للأول بمعنى اعتبار أنه قد أخذ منه، فالرد حينئذٍ علمي لا عملي، فلا إيراد حينئذٍ عليه لا بهذا ولا بالذي قَبْله، فإنَّ وجْدان التناسب المذكور هو الاشتقاق، أي: معرفة أن الثاني مأخوذ مِن الأول؛ لمعرفة ما بينهما مِن التناسب المشروح.
ولعلَّ هذا هو مراد الميداني وغيره؛ لأن المقصود بعد استقرار اللغة إنما هو معرفة المأخوذ والمأخوذ منه، لا الاقتطاع الأصلي؛ لأن ذاك أمر قد انْقَضَى، والمراد الآن إنما هو معرفة ما دَلَّ عليه الاستقراء حتى لا يحتاج في كل مشتق إلى نَقْل، فتأَمَّله؛ فإنه دقيق.
وقد أوضحتُ في "شرح لاميّة الأفعال" لابن مالك هذا المعنى، وذكرتُ الفرقَ بين الاشتقاق والتصريف بما يتعين الوقوف عليه.
إذا علمتَ ذلك، فاعلم أني أشرتُ في النَّظم إلى الاشتقاق بالاعتبارين؛ لأني فسرتُه بالاقتطاع، ومُرادي به اقتطاعٌ خاصٌّ، وهو ما ذكرت فيما بعد استغناءً به، فكأني قلتُ: اقتطاع لفظٍ من آخَر؛ لموافقته له في المعنى وفي الحروف الأصلية مع تغيُّرٍ ما. وهذا هو الذي باعتبار تصرف الواضع وصُنْعه.
ثم ذكرتُ الاشتقاق بالاعتبار الثاني وهو العلمي الذي هو مُراد الميداني (فيما يظهر) مُرتبًا عليه بالفاء المشعِرة بالسببية؛ لأنَّ الثاني مُسببٌ عن الأول، فقلتُ: (فَيُرَدْ لِأَصْلِهِ)، أي: فبسبب الاقتطاع يُرد المقتطَع -الذي هو فرعٌ- لأصله الذي هو مقتطع منه؛ لأجل العِلم

الصفحة 939