يَميل إلى قول المعتزلة، فإنه قال: (ليس مِن شرط المشتق منه قيامه بمن له الاشتقاق، إذِ المكي والحداد ونحوهما مشتقة من أمور يمتنع قيامها بمن له الاشتقاق) (¬١).
ورُدَّ ما قاله -بعد تسليم أن هذا من الاشتقاق- بأنَّ أهل السُّنة إنما ادَّعوا ذلك في المشتقات مِن المصادر التي هي [أسماء] (¬٢) المعاني، لا من الذوات وأسماء الأعيان. قرر ذلك القرافي وغيره.
نعم، قال الجَزَري: إن النقض منه على الأصحاب بذلك في غير محله، إنما يرد على قولهم: إنَّ المعنى إذا لم يَقُم بالمحل، لم يُشتق له منه اسم. فيقال لهم: هذه أشياء لم تَقُم بمحالِّها وقد اشتُق منها أسماء. ولكن جوابه أنه لَمَّا كانت الأجسام لا لبْس في عدم قيامها بمحالِّها إنما اللبس في المعاني؛ لأنها يصح قيامها بالمَحالّ، فلو أُطلقت على غير محالها، التبس الأمر. قال: ولو قيل: إن المراد إنما هي النِّسَب وهي موجودة بالمَحالّ وإن لم يوجد المنتسَبُ إليه، لَكَان له وَجْه.
أي: فيكون كلام الناس على إطلاقه، ولا حاجة للتقييد بالمعاني.
المسألة الثانية: وإليها أشرتُ بقولي: (وَالَّذِي خَلَا) إلى آخِره، أي: الذي خلا من الوصف يمتنع أنْ يشتق له منه اسم، والفَرْضُ أنه لم يَقُم به.
والمعتزلة ورأسُهم فيها أبو على الجبائي وابنه أبو هاشم خالفوا في ذلك، فقالوا: إن الله عالم لا بِعلم قائم به، بل بالذات. وكذا قالوا في جميع الصفات الذاتية المجموعة في قول القائل:
---------------
(¬١) المحصول في أصول الفقه (١/ ٣٤٤).
(¬٢) كذا في (ص، ز، ش)، لكن في (ض، ت): من أسماء. وفي (ق): في أسماء.