كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

بدليل يجيء مبيِّنًا للمقصود منه، بينتُ هنا أن القِسم الآخَر يتضح إذا قام على بيان المراد منه دليل، فيخرج بذلك عن "المتشابه".
وحقيقة هذا النوع أن يكون حملُ اللفظ على حقيقته الظاهرة منه متعذِّرًا؛ لاستحالتها عقلًا أو نقلًا، فيجب حيلَهُم ذٍ طرح ذلك الظاهر قطعًا، ثم يُنظر: فإنْ جاء دليل يدل على إرادة المرجوح عقليًّا أو نقليًّا، وَجَبَ الحمل عليه، وسُمي حينئذٍ "تأويلًا"، وهو مصدر "أَوَّلتُ الشيء": فسرتُه، مِن "آلَ": إذا رجع؛ لأنه رجوع من الظاهر إلى ذلك الذي آلَ إليه مِن دلالة اللفظ، وهو معنى قول صاحب "المقاييس": (تأويل الكلام: عاقبته، قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: ٥٣]، أي: ما يؤول إليه في بعثهم ونشورهم) (¬١).
ويجوز أن يكون مِن"الإيالة" وهي السياسة، فكأنه يسوس اللفظ إلى أن يستخرج معناه القصود منه.
وللناس كلام في الفرق بين التفسير والتأويل، قال الراغب: (أكثر ما يستعمل "التأويلُ" في المعاني و"التفسيرُ" في الألفاظ، وأكثره في مفردات الألفاظ، و"التَّأويلِ أكثره في الجُمل" (¬٢).
ويُسمَّى هذا "التَّأويلِ" الذي لدليل: "تأويلًا صحيحًا". فإنْ تُرك الظاهر لا لدليل محقق بل لشبهة تُخَيَّل للسامع أنَّها دليل وعند التحقيق تضمحل، يُسمى "تأويلًا فاسدًا"، أو ربما قيل له: "تأويل بعيد"، كما سيأتي في موضعه ذِكر أمثلة من النوعين.
فإنْ عدل عن الظاهر لا لدليل ولا شُبهة دليل فهو ضربٌ من اللعب، ولا يُعد من التَّأويلِ، ولا يحسب بالكُلية.
---------------
(¬١) مقاييس اللغة (١/ ١٦٢).
(¬٢) تفسير الراغب الأصفهاني (١/ ١١).

الصفحة 975