كتاب القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية

المقدمة
لفت نظري وأنا أقرأ في مسند الدارمي جملة من الأحاديث والآثار المسندة انفرد بها الدارمي رحمه الله عن غيره، ولما كانت أمهات الرواية السائرة بأيدي العلماء وطلاب العلم هي الكتب التسعة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن لأبي داود، والسنن للترمذي، والسنن للنسائي، والسنن لابن ماجه، ومسند أحمد وموطأ مالك هذه الثمانية، وتاسعها مسند الدارمي، رأيت أن أنسخ منه ما زاد عن الكتب الثمانية المذكورة، وأبين من خلال الدراسة والتخريج الصحيح منها والحسن والضعيف، ولم أجد في ذلك حديثا موضوعا، سوى حديثين اختلف النقاد في الحكم عليهما، فمنهم من حكم عليهما بالوضع:
الأول: (من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، أو مرض حابس، فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا) (¬1).
¬_________
(¬1) فيه شريك بن عبد الله القاضي، صدوق كثير الخطأ، وحسّن حديثه البعض، وليث بن أبي سليم: ضعيف، والحديث أنكره العلماء، وقال بعضهم: موضوع، انظر: (حلية الأولياء 9/ 251، واللآلئ المصنوعة 2/ 118، والموضوعات لابن الجوزي 2/ 209، 210، والكامل 5/ 1728، 7/ 2502، وميزان الاعتدال 3/ 169) قال ابن حجر عند الكلام على رواية عمر - رضي الله عنه -: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط عُلم أن لهذا الحديث أصلا، ومحمله على من استحل الترك، ويتبين بذلك خطأ من زعم أنه متروك (التلخيص الجبير 2/ 223).
والثاني: (إذا وضع الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم) (¬1).
وقد أورد الدارمي مما تفرد به عن الثمانية (1508) أحاديث من مجموع (3578) أوردها في المسند، وهذا العدد الذي تفرد به فيه من الصحيح، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره كثير، وقليل فيه المرسل والمقطوع، والضعيف جدا، وقد حفظ لنا هذا الإمام قدرا زائدا على التسعة رويات صالحة للاحتجاج والعمل إلا ما ندر، وقد خرّجت الأحاديث من المصادر المثبتة، وحكمت عليها، مستنيرا بأقوال النقاد، وما لم أذكر تخريجه فهو مما لم أقف عليه عند غير المصنف فيما اطلعت عليه من مظنات البحث، أسأل الله أن يجعله عملا نافعا في الدنيا والآخرة، ولا أزعم أنني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، بل أعترف أنه من جهد المقل، الراغب فيما عند الله من سعة الفضل والرحمة.
¬_________
(¬1) فيه موسى بن محمد: منكر الحديث، ووالده لم يسمع من أبي هريرة، وصححه الحاكم، وتعقبه الحافظ الذهبي فقال: أحسبه موضوعا، وإسناده مظلم، وموسى تركه الدارقطني (المستدرك 4/ 119).

الصفحة 1