الأمة فالمجتهد قد يخطئ" (¬1).
ولعله من الطريف حقًا أن نعلم أن ابن كثير أضاف إلى رواية حادثة الحباب بن المنذر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاه بعد ذلك جبريل، وملك، فقال له الملك: إن الله يقول لك أن الأمر هو الذي أمرك به الحباب بن المنذر (¬2). فإذا قبلنا ثبوت حادثة الحباب هذه، فينبغي أن يعلم أن الوحي قد أقرها صراحة، فلا تكون راجعة إلى الرأي والخبرة وحدها.
الحجة الثالثة: حديث تلقيح النخل:
من أقوى حجج اشتمال السُّنَّة على أمور غير تشريعية، هي الشؤون الدنيوية، حديث تلقيح النخل الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". وفيما يلي عدد من الروايات الصحيحة لهذا الحديث:
1 - عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: مررت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوم على رؤوس النخل، فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ " فقالوا: يلقحونه، ويجعلون الذكر في الأنثى فتلقح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أظن ذلك يغني شيئًا"، فأخبروا فتركوه. فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به فإني لن أكذب على الله -عز وجل-". (رواه مسلم) (¬3).
2 - عن رافع بن خديج قال: قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة المنورة وهم يأبرون النخل (يلقحون النخل) فقال: "ما تصنعون؟ " قالوا: كنا نصنعه، قال: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا"، فتركوه فنفضت (يعني: أسقطت ثمرها) قال: فذكروا ذلك له فقال: "إنما أنا بشر، اذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيِّ فإنما أنا بشر" (رواه مسلم) (¬4).
3 - عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يلقحون النخل فقال: "لو لم تفعلوا
¬__________
(¬1) "أصول السرخسي" 2/ 95، وراجع في قصة خولة: "تفسير القرطبي" 17/ 270.
(¬2) "البداية والنهاية" ابن كثير 3/ 267.
(¬3) "شرح مسلم" للنووي 15/ 116.
(¬4) المصدر نفسه ص 117.