كتاب صيد الخاطر

الهوى مكايد1! وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف2 النظر إليه، واذكر حمزة مع وحشيٍّ3.
فَتَبَصَّرْ ولا تَشِمْ كُلَّ بَرْقٍ ... رُبَّ بَرْقٍ فِيهِ صَوَاعِقُ حَيْنِ4
وَاغْضُضِ الطَّرْفَ تَسْتَرِحْ مِنْ غَرَامٍ ... تَكْتَسِي فِيهِ ثَوْبَ ذُلٍّ وَشَيْنِ5
فَبَلاءُ الفَتَى مُوَافَقَةُ النَّفْـ ... ـسِ، وَبَدْءُ الهَوَى طُموحُ العَيْنِ
__________
1 مُكايد: خداع ماكر.
2 يأنف من النظر إليه: يترفع عنه ويكرهه.
3 في حاشية الأصل: إشارة إلى مقتل حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم بيد وحشي. قلت: هو وحشي بن حرب، مولى بني نوفل، أسلم وأقام بحمص، وتوفي فيها سة "25هـ".
4 لا تشم: لا تنخدع. و"الحين" الهلاك.
5 الشين: العيب، والأبيات لابن الحريري، ذم الهوى ص "103".
6- فصل: أعظم المعاقبة.
18- أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقب بالعقوبة، وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتمكن من الذنوب، ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة.
19- وإني تدبرت أحوال أكثر العلماء والمتزهدين، فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها، ومعظمها من قبل طلبهم للرئاسة، فالعالم منهم يغضب إن رد عليه خطوة، والواعظ متصنع بوعظه، والمتزهد منافق أو مراء.
فأول عقوباتهم: إعراضهم عن الحق شغلًا بالخلق، ومن خفي عقوباتهم: سلب حلاوة المناجاة، ولذة التعبد، إلا رجال مؤمنون، ونساء مؤمنات، يحفظ الله بهم الأرض، بواطنهم كظواهرهم؛ بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم؛ بل أحلى، وهممهم عند الثريا1؛ بل أعلى، إن عرفوا تنكروا، وإن رئيت لهم كرامة أنكروا، فالناس في غلاتهم، وهم في قطع فلاتهم2، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم.
__________
1 الثريا: مجموعة من النجوم.
2 الفلاة: الأرض الجرداء، والمعنى: أن هؤلاء الرجال في سفر إلى الجنة، ولا يجعلون من الدنيا وزينتها شاغلًا لهم ذلك.

الصفحة 27