كتاب صيد الخاطر

الأمل، وربما قال العالم المحض1 لنفسه: أشتغل بالعلم اليوم، ثم أعمل به غدًا! فيتساهل في الزهد2، بحجة الراحة، ويؤخر الرجاء3 لتحقيق التوبة، ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع، وينسى أن الموت قد يبغت.
فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه، فإن بغته الموت، رئي مستعدًّا، وإن نال الأمل، ازداد خيرًا.
__________
1 العالم المحض: العالم الذي لا يعمل بعلمه، قال الشيخ أحمد بن رسلان الشافعي في كتاب الزيد ص "4":
فعالم بعلمه لم يَعْمَلَنْ ... معذب من قبل عباد الوثنْ
2 في حاشية الأصل: في الأحمدية: في الزلل. ولكل وجه صحيح.
3 في بعض النسخ المطبوعة: الأهبة.
10- فصل: متى رأيت معاقبًا فاعلم أنه لذنوب.
23- خَطَرَتْ لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة والبلايا العظيمة، التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة، فقلت: سبحان الله! إن الله أكرم الأكرمين، والكرم يوجب المسامحة، فما وجه هذه المعاقبة؟!
فتفكَّرْتُ فرأيت كثيرًا من الناس في وجودهم كالعدم، لا يتصفحون أدلة الوحدانية، ولا ينظرون في أوامر الله تعالى ونواهيه؛ بل يجرون على عاداتهم كالبهائم، فإن وافق الشرع مرادهم [فبها] 1، وإلا؛ فمعولهم على أغراضهم! وبعد حصول الدينار لا يبالون، أمن حلال كان أم من حرام؟ وإن سهلت عليهم الصلاة، فعلوها، وإن لم تسهل، تركوها! وفيهم من يبارز بالذنوب العظيمة، مع نوع معرفة المناهي.
وربما قويت معرفة عالم منهم، وتفاقمت ذنوبه!!
فعلمت أن العقوبات -وإن عظمت- دون إجرامهم؛ فإذا وقعت عقوبة لتمحص ذنبًا، صاح مستغيثهم: ترى هذا بأيٍّ ذنبٍ؟! وينسى ما قد كان مما تتزلزل الأرض لبعضه!
__________
1 زيادة من المحقق.

الصفحة 29