كتاب صيد الخاطر

عَبْدِ قَيْسٍ1: أن رجلًا قال له: كلمني! فقال له: أمسك الشمس2!
وقال ابن ثابت البناني3: ذهبت ألقن أبي، فقال: يا بني! دعني، فإني في وردي السادس.
ودخلوا على بعض السلف عند موته وهو يصلي، فقيل له، فقال: الآن تطوى صحيفتي.
37 فإذا علم الإنسان -وإن بالغ في الجد- بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدون له أجره بعد موته: فإن كان له شيء من الدنيا، وقف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون الأجر له، أو أن يصنف كتابًا في العلم؛ فإن تصنيف العالم ولده المخلد، وأن يكون عاملًا بالخير، عالمًا فيه، فينقل من فعله ما يقتدي الغير به؛ فذلك الذي لم يمت.
................ قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أحياءُ4
__________
1 أبو عبد الله العنبر البصري، من كبار العباد الزهاد، توفي في حدود سنة "55 هـ".
2 يعني: من يرد لي وقتي الذي تضيعه.
3 ثابت بن أسلم البناني "41- 127 هـ" من أئمة العلم والعمل.
4 قريب منه قول الطغرائي:
ففز بعلم تعش حيًّا به أبدًا ... الناس موتى، وأهل العلم أحياءُ
15 فصل: حِيَلُ الشيطان ومكرُه
38- رأيت من أعظم حيل الشيطان ومكره أن يحيط1 أرباب الأموال بالآمال، والتشاغل باللذات القاطعة عن الآخرة وأعمالها! فإذا "شغلهم"2 بالمال تحريضًا على جمعه، وحثًّا على تحصيله، أمرهم بحراسته بخلًا به، فذلك من متين حيله، وقوي مكره.
39- ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية أن خوف من جمعه المؤمنين، فنفر طالب الآخرة منه، وبادر التائب يخرج ما في يده.
__________
1 في الأصل: يحبط، وليس بشيءٍ.
2 في الأصل: "أهلهم" وما أثبته من "ط".

الصفحة 34