كتاب صيد الخاطر

109- ومثلت العلماء والزهاد العاملين صنفين: فأقمت في صف العلماء: مالكًا، وسفيان، وأبا حنيفة، والشافعي، وأحمد. وفي صف العباد: مالك بن دينار، ورابعة، ومعروفًا الكرخي1، وبشر بن الحارث.
110- فكلما جد العباد في العبادة، صاح بهم لسان الحال: عباداتكم لا يتعداكم نفعها؛ وإنما يتعدى نفع العلماء، وهم ورثة الأنبياء، وخلفاء الله في الأرض، وهم الذين عليهم المعول، ولهم الفضل إذا أطرقوا وانكسروا، وعلموا صدق تلك الحال.
وجاء مالك بن دينار إلى الحسن، يتعلم منه، ويقول: الحسن أستاذنا.
111- وإذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلًا، صاح لسان الحال بالعلماء: وهل المراد من العلم إلا العمل؟!
وقال أحمد بن حنبل: وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟!
وصح عن سفيان الثوري، قال: وددت أن يدي قطعت ولم أكتب الحديث2.
وقالت أم الدرداء3 لرجل: هل عملت بما علمت؟ قال: لا. قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك؟!
وقال أبو الدرداء: ويل لمن لم يعلم ولم يعمل مرّةً، وويل لمن علم ولم يعمل سبعين مرَّةً.
وقال الفضيل: يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، فما يبلغ من الكل قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] .
وجاء سفيان إلى رابعة، فجلس بين يديها، ينتفع بكلامها.
فدل العلماء العلم على أن المقصود منه العمل به، وأنه آلة، فانكسروا،
__________
1 معروف بن فيروز الكرخي، أو بمحفوظ، أحد أعلام الزهاد والعباد، ولد في الكرخ في بغداد، ونشأ بها، وتوفي ببغداد سنة "200 هـ".
2 قال المؤلف: لأنه كان يكتب عن الضعفاء والمتروكين.
3 هجيمة بنت حيي الأوصابية الحميرية، تابعية جليلة، وفقيهة عابدة، توفيت سنة "81هـ".

الصفحة 57