كتاب صيد الخاطر

مالت بالقلب والعقل والذهن، فلا يكاد "المرء" ينتفع بشيء من النصح1! فصحت بها يومًا، وقد مالت بكليتها إلى شهوة: ويحك! قفي لحظة، أكلمك كلمات، ثم افعلي ما بدا لك! قالت: قل، أسمع. قلت: قد تقرر قلة ميلك إلى المباحات من الشهوات، وأما جل ميلك، فإلى2 المحرمات، وأنا أكشف لك عن الأمرين، فربما رأيت الحلوين مرين:
أما المباحات من الشهوات، فمطلقة لك، ولكن طريقها صعب: لأن المال قد يعجز عنها، والكسب قد لا يحصل معظمها، والوقت الشريف يذهب بذلك، ثم شغل القلب بها وقت التحصيل، وفي حالة الحصول، ويحذر3 الفوات، ثم ينغصها من النقص ما لا يخفى على مميز: إن كان مطعمًا، فالشبع يحدث آفات، وإن كان شخصًا، فالملل أو الفراق أو سوء الخلق، ثم ألذ النكاح أكثرة إيهانًا4 للبدن، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
وأما المحرمات، فتشتمل على ما أشرنا إليه من المباحات، وتزيد عليها بأنها آفة العرض، ومظنة5 عقاب الدنيا وفضيحتها، و [هناك] وعيد الآخرة، ثم الجزع كلما ذكرها التائب.
179- وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة، ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلًا؛ لأنه قهر، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قوي القلب عزيزًا؛ لأنه قهر؟!
180- فالحذر الحذر من رؤية المشتهى بعين الحسن، كما يرى اللص لذة أخذ المال من الحرز6، ولا يرى بعين فكره القطع7! وليفتح عين البصيرة، لتأمل العواقب، واستحالة اللذة نغصة، وانقلابها عن كونها لذة، إما لملل، أو لغيرة من الآفات، أو لانقطاعها بامتناع الحبيب، فتكون المعصية الأولى كلقمة تناولها جائع،
__________
1 في الأصل: البدن.
2 في الأصل: إلى.
3 في الأصل: وبحذر.
4 إيهانًا: ضعفًا.
5 في الأصل: خوف.
6 الحرز: الموضع الحصين.
7 القطع: قطع اليد.

الصفحة 72