كتاب صيد الخاطر

أما قالت ابنة الربيع بن خثيم له: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟!
فقال: إن أباك يخاف عذاب البيات؟!
أما كان أبو مسلم الخولاني1 يعلق سوطًا في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر؟!
أما صام يزيد الرقاشي2 أربعين سنة، وكان يقول: وا لهفاه! سبقني العابدون، وقطع بي؟!
أما صام منصور بن المعتمر3 أربعين سنة؟!
أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف؟!
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟!
أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد؟!
احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به، فإنها حالة الكسالى الزمنى:
وخذ لك منك على مُهْلَةٍ ... ومقبل عيشك لم يدبر
وخف هجمةً لا تقيل العثار ... وتطوي الورود على المصدر4
ومثل لنفسك أي الرعيل ... يضمك في حلبة المحشر5
__________
1 عبد الله بن ثوب الخولاني: ريحانة الشام وحكيم الأمة، تابعي فقيه، عابد زاهد، ولد باليمن، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وهاجر إلى الشام، ووفاته بدمشق، وقبره بداريا، توفي سنة "62هـ".
2 يزيد بن أبان الرقاشي البصري القاص الزاهد أبو عمرو، توفي بين سنتي "110-120هـ".
3 السلمي الكوفي، أبو عتاب الحافظ الثبت القدوة، أحد الأعلام، توفي سنة "133هـ".
4 في حاشية الأصيل: في هامش الهندية: الروابي، بدل الورود.
5 في حاشية الأصيل: في هامش الهندية: الرعيل بالعين المهملة والياء المثناة التحتية قال في النهاية: يقال للقطعة من الفرسان: رعلة، ولجماعة الخيل: رعيل.
41- فصل: في غلو بعض المتزهدين.
212- مما يزيد العلم عندي فضلًا: أن قومًا تشاغلوا بالتعبد عن العلم، فوقفوا عن الوصول إلى حقائق الطلب.

الصفحة 86