كتاب صيد الخاطر

243- وَأَسْلَمُ ما للجبان العزلة، خصوصًا في زمان قد مات فيه المعروف، وعاش المنكر، ولم يبق لأهل العلم وقع عند الولاة، فمن داخلهم، دخل معهم فيما لا يجوز، ولم يقدر على جذبهم مما هو فيه.
244- ثم من تأمل حال العلماء الذين يعملون لهم في الولايات، يراهم منسلخين من نفع العلم، قد صاروا كالشرط، فليس إلا العزلة عن الخلق، والإعراض عن كل تأويل فاسد في المخالطة؛ ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أن أنفع غيري وأتضرر.
245- فالحذر الحذر من خوادع التأويلات، وفواسد الفتاوى! والصبر الصبر على ما توجبه العزلة! فإنه إن انفردت بمولاك، فتح لك باب معرفته، فهان كل صعب، وطاب كل مر، وتيسر كل عسر، وحصلت كل مطلوب، والله الموفق بفضله، ولا حول ولا قوة إلا به.
47- فصل: إن الله لا يُخادع
246- تأملت في نفسي تأويلًا في مباح أنال به شيئًا من الدنيا؛ إلا أنه في باب الورع كدر، فرأيته أولًا قد احتلب در1 الدين، فذهبت حلاوة المعاملة لله تعالى، ثم عاد فقلص2 ضرع حلبي له، فوقع الفقد للحالين.
فقلت لنفسي: ما مثلك إلا كمثل وال ظالم، جمع [مالًا] من غير حله، فصودر، فأخذ منه الذي جمع، وألزم3 ما لم يجمع.
فالحذر الحذر من فساد التأويل، فإن الله تعالى لا يُخَادَعُ، ولا ينال ما عنده بمعصيته.
__________
1 الدر: الحلب.
2 قلص: انكمش ولم يحلب.
3 في الأصل: اجتر.
48- فصل: إصلاح البدن سبب لإصلاح الدين
247- رأيت نفسي كلما صفا فكرها، أو اتعظت بدارج1، أو زارت قبور
__________
1 الدارج: الشخص المتوفى.

الصفحة 95