كتاب منهج الإمام جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة

أما من السنة: فإن الأحاديث التي جاءت في إثبات الرؤية قد بلغت حد التواتر، حكى ذلك غير واحد من العلماء (¬1).
وقد أجمع السلف وأئمة المسلمين على إثبات رؤية المؤمين لربهم سبحانه في الآخرة عياناً بأبصارهم، وممن نقل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (¬2)، وابن أبي العز (¬3).
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري مذهب السلف في هذه المسألة فقال:
ولا يُمتَرى في رؤية الله ربِّنا ... وهل يُمترى في الشمس في ساعة الظهر (¬4).
وأما من خالف في إثبات الرؤية: فهم الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية (¬5)، وأما الأشاعرة: لما لم يمكنهم إنكار الأدلة من الكتاب والسنة أثبوا الرؤية وقالوا: يُرى ولكن ليس في جهة، وهذا من التناقض العجيب، إذ ليس هناك شيء يُرى وهو ليس في جهة.

نقل شيخ الإسلام عن ابن رشد قوله: " أنكرها -أي الرؤية- المعتزلة، وردت الآثار الواردة في الشرع بذلك مع كثرتها وشهرتها، فشنع الأمر عليهم، وسبب وقوع هذه الشبهة في الشرع أن المعتزلة لما اعتقدوا انتفاء الجسمية عنه سبحانه وتعالى، واعتقدوا وجوب التصريح بها لجميع المكلفين، ووجب عندهم إذا انتفت الجسمية أن تنتفي الجهة، وإذا انتفت الجهة انتفت الرؤية، إذ كل مرئي في جهة من الرائي، فاضطروا لهذا المعنى لرد الشرع المنقول، واعتلوا للأحاديث بأنها أخبار آحاد وأخبار الآحاد لا توجب العلم ... وأما الأشعرية فراموا الجمع بين الاعتقادين أعني بين انتفاء الجسمية وبين جواز الرؤية لما ليس بجسم بالحس فعسر ذلك عليهم ولجؤوا في ذلك إلى حجج سوفسطائية مموهة" (¬6).
¬_________
(¬1) انظر: نظم المتناثر، ص 242 - 243.
(¬2) مجموع الفتاوى (3/ 37).
(¬3) شرح العقيدة الطحاوية، ص 110.
(¬4) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(¬5) شرح العقيدة الطحاوية، ص 110.
(¬6) بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 361)، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: محمد بن عبدالرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى 1392، مطبعة الحكومة، مكة.

الصفحة 213