كتاب منهج الإمام جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة

حارت القدرية في الجمع بينهما، وقد فصل شيخ الإسلام أقوالهم فيها إلا ثلاثة أصناف:
1 - القدرية المشركية: وهم الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي، وقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: من الآية 148]، فهؤلاء يئول أمرهم إلى تعطيل الشرائع والأمر والنهي، حتى يخرج من يخرج منهم إلى الإباحة للمحرمات وإسقاط الواجبات ورفع العقوبات، ويكثر هذا المذهب عند غلاة الصوفية، وهذا حاصل مذهب الجبرية، وهؤلاء شر الخلق.
2 - القدرية المجوسية: الذين يجعلون لله شركاء في خلقه، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشر، ويقولون: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله تعالى، وغلا بعضهم فقال: ولا يعلمها، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقع بغير قدرة الله ولا صنعه، فيجحدون مشيئته النافذة وقدرته الشاملة، ويزعمون أن هذا هو العدل، وهذا قول المعتزلة، والشيعة المتأخرين، وهؤلاء أقرب إلى الكتاب والسنة والدين من القدرية المشركية، المعطلة للأمر والنهي.
3 - القدرية الإبليسية: وهم الذين صدقوا بأن الله صدر عنه الأمران الشرعي والقدري، لكن عندهم هذا تناقض وهم خصماء الله كما جاء في الحديث، ويكثر هذا عند بعض سفهاء الشعراء، ونحوهم من الزنادقة (¬1).
وأما مذهب أهل السنة والجماعة فهو التصديق بالقدر والخلق، والتصديق بالشرع والوعيد، فقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] إثبات للقدر بقوله: {فَأَلْهَمَهَا}، وإثبات لفعل العبد بإضافة الفجور والتقوى إلى نفسه، لِيعلم أنها هي الفاجرة والمتقية، وقوله بعد ذلك: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9 - 10] إثبات لفعل العبد والوعد والوعيد بفلاح من زكى نفسه، وخيبة من دساها، وهذا صريح في الرد على القدرية المجوسية وعلى الجبرية، وأما المظلمون للخالق فإنه قد دل على عدله بقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] والتسوية: التعديل، فبيَّن أنه عادل في تسوية النفس التي ألهمها
¬_________
(¬1) انظر: مجموع الفتاوى (8/ 256 - 260)، (16/ 239).

الصفحة 224