كتاب خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب

كلِّهم ولا باستئصال شأفتهم (¬1) (¬2) , وكذلك لما استعان عليهم بدعائه أن يعينه عليهم بسبع كسبع يوسف فأجْدبوا حتى أكلوا العظام من الجوع حتى جاء إليه - صلى الله عليه وسلم - أكابرهم يسألونه أن يدعو لهم بكشف ذلك عنهم , فلما دعا قال الله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] , فلما عادوا انتقم الله منهم قال تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] فانتقم منهم بالقتل يوم بدر (¬3)؛ والسِّرُّ في دعائه - صلى الله عليه وسلم - على هؤلاء النَّفر خاصَّةً أنهم اتّفقوا [ق 5/ظ] على هذا الفعل القبيح , وادَّعوا أنه مُراءٍ بصلاته , وانتهكوا حرمة الصلاة مع حرمته - صلى الله عليه وسلم - , فكان غضبه ودعاؤه لأجل انتهاك حرمة الصلاة لله تعالى في ذلك المكان فلم يَحسُن العفو حينئذ بل تعيَّن الانتصار والانتصاف فإنه كان (¬4) من عادته - صلى الله عليه وسلم - أن لاينتصر لنفسه كما لم يعاقب الذين سَمُّوه ولا الذين سَحروه ولا الذي أراد اغتياله في أشياء نحو ذلك وإنما غضب هنا (¬5) وانتصر لحقِّ الله تعالى فدعا عليهم فاستجاب الله تعالى له فيهم وأظهر تكذيبهم في اعتقادهم أنه مُراءٍ فاجتمع له - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة من الفضائل ما يضيق هذا المكان عن ذكره مما لم يحصل لنوح - عليه السلام - منه إلا البعض , فإنَّ نوحاً عليه الصلاة والسلام لمَّا اشتدَّ عليه الأذى من قومه دعا ربَّه أنِّي مغلوب فانتصر فقال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا
جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر: 11 - 14] فكان دعاؤه - عليه السلام - دعاء منتقمٍ مستنصرٍ (¬6)
¬_________
(¬1) في ب "ساقتهم" , وفي هامشه "ساقة الجيش مُؤخّره".
(¬2) شأفة الرجل: أهله وعياله. تاج العروس من جواهر القاموس (23/ 487).
(¬3) القصة أخرجها البخاري (6/ 131) , كتاب تفسير القرآن , باب قوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] , ح 4822؛ وأخرجها مسلم (4/ 2155) , كتاب صفة القيامة والجنة والنار , باب الدخان , ح 2798.
(¬4) في ب "فكان" بدون إنه.
(¬5) في ب "هاهنا".
(¬6) في ب "منتصر".

الصفحة 334