كتاب خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب

وهو قول عمه أبي طالب (¬1) رواه البخاري (¬2) , فكانت دعوته نعمة في الأوَّل [و] (¬3) رحمة في الآخر (¬4) , ولم تكن دعوة نوح عليه الصلاة والسلام إلا مجرَّد عذابٍ شفى الله تعالى به قلبه؛ ولبث نوح - عليه السلام - في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم فبلغ جميع من آمن به من الرجال والنساء الذين ركبوا معه في السفينة وهم دون المائة نفْسٍ كما أشرنا إليه , ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كانت مدَّة دعائه (¬5) الخلق إلى الحقِّ نحو عشرين سنة فآمن فيها من الخلق شرقاً وغرباً ما لايُحصى ودانت له جبابرة الأرض وملوكها وخافته على ملْكها ككسرى وقيصر وأسلم النَّجاشي والأقيال (¬6) رغبة في دين الله تعالى ممن رآه وممن سمع به ولم يره لِمَا ألقى الله في قلوب الخلق من هيبته , والتزم مَن لم يؤمن به من أقطار الأرض الجزية والأتاوة (¬7) عن صَغار كأهل نجران وهجر وأيلة وغيرهم فأذلَّهم الله بما ألقى في قلوبهم من الرعب الذي كان يسير أمامه مسيرة شهر حتى جاءه نصر الله والفتح
¬_________
(¬1) هذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب , ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها , وهي أكثر من ثمانين بيتاً , قالها لما تمالأت قريش على النبي - صلى الله عليه وسلم - ونفَّروا عنه من يريد الإسلام , أولها:
ولما رأيت القوم لا ود فيهم ... وقد قطعوا كل العرا والوسائل. فتح الباري (2/ 496).
(¬2) أخرجه البخاري (2/ 27) , كتاب أبواب الاستسقاء , باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا , ح 1009.
(¬3) "و" زيادة من ب.
(¬4) في أ "في الثاني" , وما أثبته من ب هو الصواب , لأن العرب لا يسمون (الثاني) إلا ما كان له ثالث. انظر: عمدة الكتاب , لأبي جعفر النحاس ص 100 , تحقيق: بسام الجابي , الطبعة الأولى 1425 , دار ابن حزم.
(¬5) في هامش ب "دعوته".
(¬6) الأقيال: جمع قيل وهو أحد ملوك حِمْيَر دون الملك الأعظم , مأخوذ من القول بمعنى نفوذ القول والأمر؛ وقد أسلم وائل بن حجر الحضرمي , وكان قيلاً من أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم , وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بشر أصحابه بقدومه قبل أن يصل يأيام وقال: «يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعاً راغباً في الله - عز وجل - وفي رسوله , وهو بقية أبناء الملوك» , واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأقيال من حضرموت. انظر: النهاية في غريب الأثر (4/ 226,206) , غريب الحديث (2/ 275) , لابن الجوزي , تحقيق: د. عبدالمعطي أمين قلعجي , الطبعة الأولى 1985 , دار الكتب العلمية , بيروت؛ أسد الغابة (5/ 405).
(¬7) الأتاوة: وهو الخراج. النهاية (1/ 27).

الصفحة 336