وأخذ كفًّا من تراب فرمى به في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى (¬1) , وجوده - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وصبره في (مثل) (¬2) هذا المقام الذي لم يبق معه ناصر ولا معاضد والعدو حريص على قتله أعظم من صبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام على ذبح ابنه.
وأما قول الله تعالى في إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: من الآية 124] ففي الحديث أن نبينا - صلى الله عليه وسلم -[ق 9/و] قال: «أنا إمامهم إذا بُعثوا وخطيبهم إذا ورَدُوا ... » الحديث (¬3) , وقد صلى بإبراهيم وغيره من الأنبياء ليلة الإسراء وشريعته داخلة في شريعة محمد صلى الله عليهما وسلم وشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - أتم وأكمل (¬4) من شريعة إبراهيم صلى
¬_________
(¬1) أخرجه مسلم (3/ 1398) , كتاب الجهاد , باب في غزوة حنين , ح 1775 , من طريق العباس بن عبدالمطلب , بلفظ: "شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين , فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم نفارقه , ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي , فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين , فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قِبل الكفار , قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكُفُّها إرادة أن لا تُسرع , وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أي عباس , ناد أصحاب السَّمُرة» , فقال عباس: وكان رجلاً صيِّتاً , فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرة , قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها , فقالوا: يا لبيك , يا لبيك , قال: فاقتتلوا والكفار , والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار , يا معشر الأنصار , قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج , فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج , يا بني الحارث بن الخزرج , فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم , فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «هذا حين حمي الوطيس» قال: ثم أخذ رسول - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهنَّ وجوه الكفار , ثم قال: «انهزموا ورب محمد» قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى , قال: فوالله ماهو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً , وأمرهم مدبراً".
(¬2) "مثل" ليس في ب.
(¬3) أخرجه الترمذي (5/ 585) , في المناقب , باب في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - , ح 3610 , من طريق أنس - رضي الله عنه - , بلفظ: «أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا , وأنا خطيبهم إذا وفدوا , وأنا مبشرهم إذا أيسوا , لواء الحمد يومئذ بيدي , وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر» , وقال: "هذا حديث حسن غريب"؛ وقال الألباني: "ضعيف". الجامع الصغير وزيادته (1/ 234) ح 3234؛ وأخرجه الدارمي (1/ 196) , كتاب دلائل النبوة , باب ما أعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفضل , ح 49 , بلفظ: «أنا أولهم خروجاً , وأنا قائدهم إذا وفدوا , وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ... » الحديث؛ وأخرجه البغوي في شرح السنة (13/ 203) , كتاب الفضائل , باب فضائل سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين وشمائله , ح 3624 , وقال: "هذا حديث غريب"؛ وأخرجه البيهقي في الدلائل (6/ 108) ح 2233.
(¬4) في ب "وأجمل".