كتاب خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب

وليس كلّ شأني كما يَرضى صاحبي , فما قال لي يوماً قط لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا , ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لم تصنع هذا هكذا" (¬1) وكان - صلى الله عليه وسلم - من الإنابة إلى ربِّه سبحانه بالموضع الذي لايخفى فإنه كان من دعائه: «اللهم بك أُقاتِل وبك أصول وبك أحول» (¬2) إلى غير ذلك من الإنابة في جِلِّ الأمور ودِقِّها وكان من تأوهه وخوفه من ربه أنه يقول: «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم (¬3) قليلاً وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى ربكم» (¬4) إلى غير ذلك من أخباره عن حلمه وإنابته وتأوّهه.
فإن قيل: إن إبراهيم - عليه السلام - أوحي إليه: "يا إبراهيم إنك لمَّا سَلَّمت مالك إلى الضِيفان , وابنك إلى القربان , ونفسك إلى النيران , وقلبك إلى الرحمن , اتخذناك
خليلاً" (¬5) , قلنا: إن ذلك لفضل عظيم , وخير عميم , وفخر مقيم , وكل ذلك من
¬_________
(¬1) أخرجه البخاري (9/ 12) , كتاب الديات , باب من استعان عبداً أو صبياً , ح 6911 , بلفظ: "فخدمته في الحضر والسفر , فوالله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا , ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا"؛ وأخرجه مسلم , بنحو لفظ البخاري في كتاب الفضائل , باب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً , ح 2309.
(¬2) أخرجه الترمذي (5/ 572) , أبواب الدعوات , باب في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله , ح 3584 , بلفظ: «اللهم أنت عضدي , وأنت نصيري , وبك أقاتل» , وقال: "هذا حديث حسن غريب"؛ وأخرجه أبو داود (3/ 42) , بنحوه في كتاب الجهاد , باب ما يدعى عند اللقاء , ح 2632 , تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد , المكتبة العصرية , بيروت؛ وقال الألباني في صحيح أبي داود (7/ 382) , الطبعة الأولى 1423 , مؤسسة غراس , الكويت: "إسناده صحيح على شرط الشيخين , وصححه ابن حبان , وأبو عوانة , وحسنة الترمذي".
(¬3) في ب "وضحكتم" بدون اللام.
(¬4) أخرجه الترمذي (4/ 556) , بنحوه في أبواب الزهد , باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً , ح 2312 , وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"؛ وأخرجه ابن ماجه (2/ 1402) , بنحوه في كتاب الزهد , باب الحزن والبكاء , ح 4190.
(¬5) لم أقف على هذا الحديث القدسي مروياً في كتب السنة , وإنما قول من الأقوال في تأويل: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]. انظر: مفاتيح الغيب (11/ 47) , للفخر الرازي , الطبعة الأولى 1421 , دار الكتب العلمية , بيروت؛ لباب التأويل في معاني التنزيل (1/ 604) , للخازن , 1399 , دار الفكر , بيروت؛ وقد وجدته مروياً في كتب الشيعة عن أبي الحسن المسعودي في كتابه أخبار الزمان. انظر: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر (3/ 433) , للمحبي , 1284 , المطبعة الوهيبة.

الصفحة 351