كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل (اسم الجزء: 1)

خبرة ومعايشة طويلة لكلام العرب في الشعر الجاهلي وما بعده إلى آخر عصر الاحتجاج، وفي المعاجم القديمة الأصيلة.
وقد اعتمدتُ في استخلاص المعاني المحورية للتراكيب من استعمالاتها العربية التي تحدثتُ عنها في الفقرة (أولًا) -على المَلاحظ المشتركة بين هذه الاستعمالات الحسية. وكان للاستعمالات المعنوية -أعني غير الحسية- سهمُها في هذا الاستخلاص، وهو أنها تلفت إلى هذه الملاحظ.
إن الملاحظ المشتركة التي يبنى عليها استخلاص المعنى المحوري قد تكون صريحة مباشرة، كأن تكون صفةً بعينها متحققة في كل الاستعمالات الحسية التي اخترناها: طولًا أو قصرًا، سَعةً أو ضيقًا، خفةً أو كثافة، ضخامةً أو دقة جسم، صفاءً أو شَوبًا ... الخ. وهنا يكون الأمر قريبًا، أعني أنه يُلحَظ بأدنى تأمل (¬1). ولكنه في كثير من الأحيان يكون غامضًا يحتاج إلى فضل تأمل وإلى تأويل ينبغي أن يُحذر فيه من التكلف. وهنا يتحول الأمر إلى إدراك العلاقاتِ بين المعاني المختلفة لكلمات التركيب. وإدراك العلاقات بين معاني كليات التركيب هذا، هو قوام الجانب الاشتقاقي في هذا المعجم.
ولتمثيل المعنى المحوري باختصار نقول: إن تركيبَي (عصو عصى) أوضح استعمالاتهما المادية هي "العصا "المعروفة، وقد عرّفها المعجم بـ "العُود "، والمقصود عُود الشجر أي الغصن منه الذي جف واتُّخذ عصا. وهناك ما حُمل عليها مثل "عصا الساق: عظْمها تشبيهًا بالعصا "، ثم قالوا: "عصا الشيء: إذا صلُب، اعتَصَت النَواةُ (¬2): اشتدت، عَصَوْت الجُرْحَ: شدَدته "؛ فالمَلْحَظ في تسمية العصا وعظم
¬__________
(¬1) ينظر تاج العروس (لمم) مثلًا.
(¬2) عن عدم وضع شدة على النون تنظر ص 48 هنا رقم (5).

الصفحة 16