كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل (اسم الجزء: 1)

الساق هو صلابتها مع امتدادها. وسائرُ ما في التركيبين كله من العصيان: ضد الطاعة. فما المعنى الجامع بين العصا والعصيان؟ الجامح هو الصلابة كما تتمثل في طبيعة العصا، ثم كما تتمثل في صلابة من يعصي ربَّه أو أميرَه، بمعنى أنه يجمُد ويَصلُب على موقفه وعلى ما يريد هي، لا يطيِع ولا ينثني إلى ما أراده منه ربه أو أميره. هذه العلاقة بين العصا والعصيان هي الاشتقاق. والتعبير عن المعنى الجامع بين معاني مفردات التركيب هو المعنى المحوري.
وعلى ذلك فالعصيان مأخوذ من معنى الصلابة، والصلابة تتمثل في حال العصا، وفي عظم الساق، وفي النوى الصُلب، وفي شَد الجرح (عَصبِه). واختار العرب التعبير عن العصا بهذه الأحرف (ع+ ص+ و) حسب ذوقهم للغتهم بحروفها في كل مواقع تلك الحروف. فإذا تعددت الاستعمالات اللغوية الحسية فالأصل أحدها: تعيينًا أو بلا تعيين، أو بعضُها أو كلها، هذه مسألة محدودة الأثر. وتمثيلًا للتكلُّف الذي حذرنا منه أن بعضهم قال: "أصل العصا: الاجتماع والائتلافُ، أخذًا من قولهم عصوتُ القومَ أعصوهم: إذا جمعتَهم على خير أو شر ". ثم لما أراد قائل هذا أن يبين سر تسمية العصا باسمها قال: "سُميت العصا عصا لأن اليد والأصابع تجتمع عليها " (¬1) يعني عند إمساكها. وقد أسلفنا أن العصا سُميت كذلك لصلابتها مع امتدادها. أما قولهم: "شَقَّ عصا المسلمين: أي جماعتهم، وكذلك عصوت القوم: جمعتهم "فلأن الجماعة قوة وصلابة.
وفي مثلٍ آخر نقول: إن (المرح) معروف أنه النشاط والخفة. وفي تركيب (مرح) من الاستعمالات الحسية "مَرِحتْ العينُ: اشتد سيلان دمعها. المَرَح: خروج
¬__________
(¬1) ينظر لسان العرب (عصا).

الصفحة 17