كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل (اسم الجزء: 1)

الدمع إذا كثُر. مزادة (: قِرْبة) مَرِحة: لا تمسك الماء، (¬1)، فالمعنى المحوري الجامع هو: تسيُّب ما بالباطن وعدمُ ضبطه. فالأصل والمفروض أن العين تضبط دمعها، فلا ينساب إلا عند المناسبة المُبكية، وأن القِربة تضبط الماء المحتوَى فيها فلا يتسرب. لكن الذي أمامنا أن العرب كانوا إذا رأوا عين أحدٍ من الناس يسيل منها الدمع كثيرًا دون مناسبة، أو قِربةً يتسرب منها الماء الذي بداخلها من ثقوب دقيقة في جلدها -وصفوا كلًّا منهما بأنها "مَرِحة "، وعَبَّروا بالفعل من نفس التركيب فقالوا: "مرِحت العينُ ومرِحت القربة ". فأخذتُ أنا من هذا ومن سورة المرح (النشاط) أن تركيب (مرح) يعبر عن تسيب المختزَن في الباطن وعدم ضبطه. ونحن نرى بأنفسنا أن الإنسان في حالة مَرَحِهِ يتخلى عن وقاره وانضباطه، وكثيرا ما يأتي ما لا يليق به. وفي أحد تعريفات المرح أنه شدة الفرح والنشاط حتى يجاوز قدره (¬2)، ومن هنا نُهي عنه إذا كان عن اختيال {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (¬3).
وفي مَثل خفيف أخير نعلم أن الرَبوة من الأرض بقعة مرتفعة عن مستوى ما حولها، أي زائدة عنه إلى أعلى، وأن الرِبا الذي حرَّمه الله تعالى هو زيادة يفرضها صاحب المال على المقترِض مقابل فك عسرته؛ فالمعنى المحوري لتركيب (ربو) هو: الزيادة أو الارتفاع عن الأصل أو المعتاد، كما ترتفع الربوة عن مستوى ما حولها من الأرض، ومستوى الأرض هذا هو الأصل؛ لأنه المعتاد الطبيعي، كما أن الربا زيادة على المبلغ المقترض الذي هو الأصل. والزيادة من جنس الارتفاع.
ولا يخفى -بعد ما قدمناه- أن استخلاص المعنى المحوري لكل تركيب هو أعوص ما في هذا العمل: من حيث إنه مبني على إدراك علاقات، ومن حيث إن
¬__________
(¬1) نفسه (مرح).
(¬2) نفسه (مرح).
(¬3) الإسراء 37، لقمان 18، والفعل في سورة غافر 75.

الصفحة 18