كتاب المعجم الاشتقاقي المؤصل (اسم الجزء: 1)

الفراغ والاتساع -وما إلى ذلك- بين الأشياء). ومعنى الفصل المعجمي هذا لفتَ إليه عدد من الأئمة في فصول جِدِّ محدودة، على ما سأفصّل في المبحث التالي. لكن دراستنا هذه كشفت اطِّراده، فكان من حق لغة القرآن ودارسيها، وحقِّ علماء اللغات أن نبرز هذه الخصيصة للغة العربية. وهذه الدراسة أحق بها؛ لأن هذه الخصيصة لا تثبت إلا بتطبيقٍ موسَّع كالذي نحن فيه، فالتقطناها حتى لا تضيع، وقد عزلنا سورة اطرادها في كل فصل في فقرة خاصة في آخره، لمن شاء أن يدرسها أو يغفلها.
وتفصيل ذلك أنه تكشَّف لنا في أثناء الدراسة التي ذكرنا أمرها من (أولًا) إلى الآن: أن الحرفين الأول والثاني الصحيحين بترتيبهما من كل تركيب، وهما اللذان سميتهما الفصل المعجمي = يستصحبان المعنى الذي كانا يعبران عنه، وهما في صورة الثلاثي المضعَّف (فتّ) مثلًا، عندما يتصدران ثلاثيًّا منبسطًا، أو يشتركان في بناء ثلاثي منبسط تكوَّن منهما مع ثالثٍ غير ثاني المضعفين (فتح، فتر، فتش، فتق، فتك، فتل، فتن، فتو، فتى، فتأ) في هذا المثال، بل إن ذلك المعنى يظل معهما بصورةٍ ما، حتى لو سبقهما أو توسطهما حرفُ علة أو همزة، كما في (فوت) هنا، ولا يوجد تركيب (أفت ولا فأت) في هذا المثال.
وأمرُ اطِّراد معنى الفصل المعجمي هذا له إيضاحات:
الأول أنه من الطبيعي أن المعنى الذي كان الثلاثي المضعَّف يعبر عنه لا يوجد كاملًا في الثلاثي المنبسط الذي مثلنا له؛ لأن في الثلاثي المضعف حرفا مكررا هو الثاني والثالث، وهذا التكرار له قيمته في التعبير عن المعنى. في حين أن في الثلاثي المنبسط من التركيب المضعف حرفين فقط ("فت "مكون من ف+ ت+ ت، و "فتح "مكون ف+ ت+ ح). وبذا فإن المعنى الذي تعبر عنه (فت) يوجد ثلثاه فحسب في (فتح) وهكذا الأمر في (فتر) ... إلخ .. وهذا واضح وطبيعي؛ لأن لكل حرف في هذه اللغة قيمته. كما سأذكر قريبا هنا.

الصفحة 20