كتاب شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري

قوله: «صوموا لرؤيته» اللام هنا تعليلية: أي لأجل رؤيته، ويحتمل أنها مثل قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي للتوقيت يعني: صوموا عند رؤية الهلال فيكون هو مؤوَّل يعني في الغد.
ثم صدر المؤلف الحديث الأول بقوله: «فإن عمَّ عليكم فاقدروا له» ثم أتى بالروايات المبينة لمعنى «أقدروا له» ففي الحديث الثاني قال: «فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» وقال في الحديث الآخر: «فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين». فالمراد بقوله: «فاقدروا له» أي: أكملوا عدة الشهر ثلاثين.
وقد تأول بعض أهل العلم هذا الحديث وهو قوله: «فاقدروا له» وقال: معنى ذلك أي: ضيقوه وقالوا: الشهر عند أهل الإسلام إما أن يكون ثلاثين أو تسعًا وعشرين، فقالوا: فإن غمَّ الهلال فلابد أن نضيق هذا الشهر فيكون تسعة وعشرين يومًا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الشهر هكذا .....» كما في الحديث الذي أخرجه مسلم، واختصره البخاري هنا يعني مثل الشهر بيديه - صلى الله عليه وسلم - فقال مرة «ثلاثين» وأشار بيديه - ثلاث مرات - وقال مرة: «تسعة وعشرين» وأشار بيده ثلاث مرات غير أنه خنس بإبهامه في الثالثة.
وقال الحنابلة رحمهم الله وغيرهم: «معنى اقدروا له» أي اجعلوه تسعًا وعشرين فإذا كانت ليلة الثلاثين فيها قتر أو غيم وما أشبه ذلك؛ فأننا نجعل الشهر تسعًا وعشرين ونصوم اليوم الذي بعده لرمضان وقالوا: هو مثل قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ...} أي ضيّق عليه، وهذا القول ضعيف؛ لأن هذا الحديث يفسر بالأحاديث الأخرى فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإن غمَّ عليكم

الصفحة 40