كتاب معالم الدين من أحاديث الصادق الأمين

اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ (¬1)، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي (¬2)، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ (¬3)». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

35 - عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ (¬4). ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا (¬5):
¬__________
(¬1) قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 73): «هذا الحديث يدل على أنه مَن لم يتفقه في دينه فلا خير فيه. فإن قلت: كيف صفة من فقَّهه الله عز وجل في دينه حتى يكون ممن قد أراده الله الكريم بخير؟
قيل له: هو الرجل المسلم العاقل الذي قد علم أن الله عز وجل قد تعبَّده بعبادات وجب عليه أن يعبده فيها كما أمره، لا كما يريد هو، ولكن بما أوجب العلم عليه، فطَلَبَ العلم ليفقه ما تعبَّده الله عز وجل به من أداء فرائضه واجتناب محارمه، لا يسعه جهله ولا يعذره به العلماء العقلاء في تركه، وذلك مثل الطهارة، ما فرائضها، وما سننها، وما يفسدها، وما يصلحها؟ ومثل علم صلاة الخمس لله عز وجل في اليوم والليلة، وكيف يؤديها إلى الله عز وجل؟ ومثل علم الزكاة، وما يجب لله عز وجل عليه فيها؟ ومثل صيام شهر رمضان، وما يجب لله عز وجل فيه؟ ومثل الحج، متى يجب، وإذا وجب ما يلزم من أحكامه، كيف يؤديه إلى الله عز وجل؟ ومثل الجهاد، ومتى يجب، وإذا وجب ما يلزمه من أحكامه؟ وعلم المكاسب، وما يحل منها وما يحرم؟ وليأخذ الحلال بعلم ويجتنب الحرام بعلم، وعلم النفقات الواجبات عليه وغير الواجبات، وعلم بر الوالدين والنهي عن العقوق، وعلم صلة الأرحام والنهي عن قطعها، وعلم حفظ كل جارحة من جوارحه مما أمره الله عز وجل بحفظها، وعلوم كثيرة يطول شرحها، لا بد من علمها والعمل بها. فاعقلوا -رحمكم الله- ما حثكم عليه نبيكم - صلى الله عليه وسلم - حتى يكون فيكم خير تحمدون عواقبه في الدنيا والآخرة» اهـ.
(¬2) معناه: أن المعطي حقيقة هو الله تعالى، ولست أنا معطيًا، وإنما أنا خازن على ما عندي، ثم أقسم ما أُمرت بقسمته على حسب ما أُمرت به، فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره، والإنسان مُصَرَّف مربوب.
(¬3) قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (1/ 155): «يريد أن أمته آخر الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضعف الدين، فلابد أن يبقى من أمته من يقوم به، والدليل على ذلك قوله: «لا يضرهم من خالفهم»، وفيه أن الإسلام لا يذل، وإن كثر مطالبوه» اهـ.
(¬4) «نضر الله»: معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة.
قال المُلَّا علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (1/ 306 وما بعدها): «وقد استجاب الله دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك تجد أهل الحديث أحسن الناس وجهًا وأجملهم هيئة. ورُوي عن سفيان بن عيينة أنه قال: ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة. وخص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله، وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلَّابه حيث خصهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعاء لم يشرك فيه أحدًا من الأمة، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وغَنْمًا، وجلَّ في الدارين حظًّا وقسمًا» اهـ باختصار وتصرف.
(¬5) أي: لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلًا أبدًا، يعني: لا يكون فيه مرض ولا نفاق إذا حقق هذه الأمور الثلاثة.

الصفحة 44