كتاب معالم الدين من أحاديث الصادق الأمين

52 - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» (¬1). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْآجُرِّيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.

53 - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» (¬2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
¬__________
(¬1) قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 116): «فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الفرقة الناجية، باتباعه لكتاب الله عز وجل، وسنن رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وسنن أصحابه رحمة الله عليهم، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يُستوحش من ذكرهم، مثل: سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ومن كان على طريقهم من الشيوخ، فما أنكروه أنكرناه، وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك» اهـ.
(¬2) ذَكَرَ أئمةُ أهل السنة مثل: يزيد بن هارون، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وابن حبان، والحاكم، واللالكائي، والخطيب البغدادي: أن المقصود بهذه الطائفة القائمة بأمر الله الناجية المنصورة: «أهل الحديث». وليس المقصود بـ «أهل الحديث» المحدثين المعتنين بسماع الحديث وكتابته وروايته، بل المعنى أوسع من هذا، فكل من كان متبعًا لأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بفهم السلف الصالح في الاعتقاد والعبادات والمعاملات والأخلاق فهو من أهل الحديث، سواء كان محدثًا أو فقيهًا أو مفسرًا أو مجاهدًا أو غير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (3/ 347): «وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة؛ الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، واتباعًا لها: تصديقًا وعملًا وحبًّا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجُمَل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف؛ فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه؛ وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه؛ ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدًى من الله ظلم» اهـ.

الصفحة 56