فحين رَأَيْنَا ذلك منهم، وفَطِنَّا لمذهبهم وما يقصدون إليه من الكفر وإِبْطَالِ الكُتُبِ والرُّسُلِ، ونَفْيِ الكلامِ والعِلْمِ والأَمْرِ عن الله تعالى؛ رَأَيْنَا أن نُبَيِّنَ من مذاهبهم رُسُومًا من الكتاب والسنة، وكلام العلماء ما يَسْتَدِلُّ به أهلُ الغَفْلَةِ من النَّاسِ على سُوءِ مَذْهَبِهِم؛ فَيَحْذَرُوهُم على أنفسهم وعلى أولادهم وأهليهم، ويجتهدوا في الرَّدِّ عليهم؛ محتسبين مُنَافِحِينَ عن دين الله تعالى، طالبين به ما عند الله.
وقد كان من مَضَى مِنَ السَّلَفِ يكرهون الخَوْضَ في هذا وما أشبهه، وقد كانوا رُزِقُوا العافية منهم، وابْتُلِينَا بهم، عند دُرُوسِ الإِسلامِ وذَهَابِ العُلماءِ؛ فلم نَجِدْ بُدًّا من أَنْ نَرُدَّ ما أَتَوْا به من البَاطِلِ بالحَقِّ، وقَدْ كَانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَوَّفُ ما أشبه هذا على أمته، ويحذرها إياهم، ثم الصحابة بعده والتابعون؛ مَخَافَةَ أن يَتَكَلَّمُوا في الله وفي القرآن بأهوائهم؛ فَيَضِلُّوا، ويَتَمَارَوْا به على جَهْلٍ؛ فَيَكْفُرُوا.
فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال: «المِراءُ في القُرآنِ؛ كُفْرٌ» (¬1).
وحتَّى أَنَّ بَعْضَهُم كانوا يَتَّقُونَ تَفْسِيرَهُ؛ لأن القَائِلَ فيه إنما يقول على الله.
قال أَبو بَكْرِ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -: أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، وأَيُّ سَماءٍ تُظِلُّنِي؛ إِذَا قُلتُ في كلام الله ما لا أعلم (¬2).
وسُئِل عَبِيدَةُ السَّلْمَاني عن شيءٍ من تَفْسِيرِ القرآنِ فقال: اتَّقِ اللهَ،
¬_________
(¬1) صحيح، أخرجه أبو داود (4605)، وأحمد (7848)، وابن حبان (74)، وأبو يعلى (6016)، وغيرهم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا.
(¬2) صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (30727)،والبيهقي في المدخل (646)، والخطيب في الجامع (1585)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (825)، وغيرهم، من طرق عن أبي بكر - رضي الله عنه -، لا تخلو من مقال، لكن تصلح أن يشد بعضها بعضًا.