كتاب النقض على المريسي ت الشوامي

فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ عَنِ المَرِيسِيِّ فِي إبطال مَسِّ الله آدَمَ بِيَدِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} ... [آل عمران: 59] فَقَالَ: جَعَلَهُ مِثْلَ عِيسَى، وَعِيسَى لَمْ يَخْلُقْهُ بِيَدِهِ.
قُلْنَا لِهَذَا المُحْتَجِّ: غَلِطْتَ فِي التَّأْوِيلِ، وَضَلَلْتَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِيسَى مِثْلَ آدَمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، وَهَذَا أَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِ اللهِ وَكَلِمَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، كَمَا أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، ثُمَّ هُوَ فِي سَائِرِ أَمْرِهِ مُخَالِفٌ لِآدَمَ.
أَوَّلُهُ: خَلَقَ الله إِيَّاهُ بِيَدَيْهِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الله خَلَقَ آدَمَ بِتَمَامِهِ مِنْ طِينٍ، لَمْ يَكُنْ صَغِيرًا فَيَكْبُرَ، وَلَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ بَطْنٌ وَلَا رَحِمٌ، وَلَمْ يَرْضَعْ بِلَبَنٍ صَغِيرًا فِي المَهْدِ، فَكَمَا هُوَ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ مُخَالِفٌ لِآدَمَ، فَهُوَ لَهُ مُخَالِفٌ فِي خَلْقِ يَدَيِ الله تَعَالَى، وَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَلَيْسَ كَيَدِهِ يَدٌ.
فَافْهَمْ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ أَنَّكَ تَأَوَّلْتَ فِي يَدَيِ الله، أَفْحَشَ مِمَّا تَأَوَّلَتِ اليَهُودُ؛ لِأَنَّ اليَهُودَ قَالُوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، وَادَّعَيْتَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَلَما أَنَّكَ تَأَوَّلْتَهَا النِّعَمَ وَالأَرْزَاقَ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ، فَمَاذَا لَقِيَ الله مِنْ عَمَايَاتِكُمْ هَذِهِ؟ تَدَّعُونَ أَنَّ يَدَيِ الله مخلوقتان، إِنَّهُمَا عِنْدَكُمْ رِزْقَاهُ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، وَمَوْسعهُ وَمَقْتُورُهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ.

* * *

الصفحة 105