كتاب النقض على المريسي ت الشوامي
ثُمَّ أَنْشَأْتَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ تَطْعَنُ فِي حَدِيثِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، بَعْدَمَا صَدَّقْتَ بِهِ، وَعَرَفْتَ أَنَّهُ قَدْ قَالَهُ، ثُمَّ فَسَّرْتَهُ تَفْسِيرًا مُخَالِفًا لِتَفَاسِيرِ أَهْلِ الصَّلاةِ (¬1)، وَهُوَ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَنْزَوِى فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ».
وَادَّعَيْتَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ أَنَّ الحَدِيثَ حَقٌّ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَكَ: أَنَّهَا لَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ قَدَمَهُ فِيهَا، فَقُلْتَ: مَعْنَى «قَدَمِهِ»: أَهْلُ الشِّقْوَةِ الَّذِينَ سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -بِبَاطِلِ زَعْمِكَ- فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2] قَالَ: «مَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ».
فَقَدْ رَوَيْنَا أَيُّهَا المَرِيسِيُّ عَنِ الثِّقَاتِ الأَئِمَّةِ المَشْهُورِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي تَفْسِيرِ القَدَمِ خِلَافَ مَا ادَّعَيْتَ مِنْ تَأْوِيلِكَ هَذَا.
(84) حَدَّثَنَاه عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَحْيَى الحِمَّانِيُّ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «الكُرْسِيُّ مَوْضِعُ القَدَمَيْنِ، وَالعَرْشُ لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا الله - عز وجل -» (¬2).
فَهَذَا الَّذِي عَرَفْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحًا مَشْهُورًا.
فَمَا بَالُكَ تَحِيدُ عَنِ المَشْهُورِ المَنْصُوصِ مِنْ قَوْله وتتعلق بالمغمور مِنْهُ، الملتبس الَّذِي يتَحَمَّل المعَانِي.
¬_________
(¬1) في الأصل «الضلالة» وضرب فوق إعجام الضاد، وما أثبته من «س»، وثلاثة نسخ على «ع».
(¬2) إسناده صحيح رجاله ثقات، أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (586)، عن أبيه، عن وكيع، وفي (1020)، عن أبيه، عن ابن مهدي، وأخرجه عبد الرزاق في التفسير (3030)، والطبري في التفسير (4/ 538)، من طريق أبي أحمد الزبيري، والدارقطني في الصفات (36)، من طريق أبي عاصم النبيل، خمستهم وغيرهم، عن سفيان الثوري، به.
الصفحة 146