كتاب النقض على المريسي ت الشوامي

كَمَا اشْتَرَطْتَ أَنْتَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ حُلُولًا كَحُلُولِ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قَالَتْ: «فِي السَّمَاءِ»، فَاكَتْفَى مِنْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا: كَيْفَ كَيْنُونَتُهُ فِي السَّمَاءِ، وَكَيْفَ حُلُولُهُ فِيهَا؟
وَأَمَّا قَوْلُكَ: لَا يُوصَفُ بِأَيْنَ.
فَهَذَا أَصْلُ كَلَام جَهْمٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ اللهُ - عز وجل - وَرَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم - وَالمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّ الله تَعَالَى قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16]، وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، فَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ العِبَادَ أَيْنَ اللهُ، وَأَيْنَ مَكَانُهُ، وَأَيَّنَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ فَقَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ مَنْ فِي الأَرْضِ؛ لَمْ يَرْحَمْهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ».
(117) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَن أبي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
«ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ؛ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ» (¬1).
فَلَوْ لَمْ يُوصَفْ بِأَيْنَ كَمَا ادَّعَيْتَ أَيُّهَا المُعَارِضُ، لَمْ يَكُنْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لِلْجَارِيَةِ «أَيْنَ اللهُ» فَيُغَالِطُهَا فِي شَيْءٍ لَا يُؤَيَّنُ، وَحِينَ قَالَتْ: «هُوَ فِي السَّمَاءِ»، لَوْ قَدْ أَخْطَأَتْ فِيهِ لَرَدَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيْهَا وَعَلَّمَهَا، وَلَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى إِيمَانِهَا بِمَعْرِفَتِهَا أَنَّ الله فِي السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ لَنَا عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ.
¬_________
(¬1) أخرجه المصنف في الرد على الجهمية (27)، والطيالسي (333)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (4/ 210)، وأبو يعلى (5063)، والطبراني في الكبير (10277)، والحاكم (4/ 277)، وغيرهم من طريق أبي إسحاق السبيعي، به. وهذا إسناد منقطع أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، وفي الباب عن أبي هريرة، وغيره.

الصفحة 196