كتاب النقض على المريسي ت الشوامي

وَيْحَكَ! إِنَّمَا كَرِهَ السَّلَفُ الخَوْضَ فِيهِ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلَالِ وَأَغْمَارُ الجُهَّالِ مَا تَأَوَّلْتَ فِيهِ أَنْتَ وَإِمَامُكَ المَرِيسِيُّ.
فَحِينَ تَأَوَّلْتُمْ فِيهِ خِلَافَ مَا أَرَادَ اللهُ، وَعَطَّلْتُمْ صِفَاتِ اللهِ؛ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عِنْدَهُ بَيَانٌ أَنْ يَنْقُضَ عَلَيْكُمْ دَعْوَاكُمْ فِيهِ.
وَلَمْ يَكْرَهِ السَّلَفُ الخَوْضَ فِي القُرْآنِ؛ جَهَالَةً بِأَنَّ كَلَامَ الخَالِقِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَا جَهَالَةً أَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، حَتَّى لَوْ قَدِ ادَّعَى مُدَّعٍ فِي زَمَانِهِمْ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ مَا كَانَ سَبيلُهُ عِنْدَهُمْ إِلَّا القَتْلَ، كَمَا هَمَّ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - بِصُبَيْغٍ أَنْ يَقْتُلَهُ؛ إِذْ تَعَمَّقَ فِي السُّؤَالِ عَنِ القُرْآنِ، فِيمَا كَانَ أَيْسَرَ مِنْ كَلَامِكُمْ هَذَا، فَلَمَّا لَمْ يَجْتَرِئْ كَافِرٌ أَوْ مُتَعَوِّذٌ بِالإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَمَا أَشْبَهَهُ فِي عَصْرِهِمْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَكَلَّفُوا لِنَقْضِ كُفْرٍ لَمْ يَحْدُثْ بَين أَظْهُرِهِم فَيكون سَبَبًا لِإِظْهَارِهِ، إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ كَلِمَة كُفْرٍ تَكَلَّمَ بِهَا بَدْءًا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، مِنْهُمُ الوَحِيدُ، الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيُّ فَقَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر: 25].
وَمِنْهُمُ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ فَقَالَ: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ} [الأنفال: 31]، كَمَا قَالَ جَهْمٌ وَالمَرِيسِيُّ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ البَشَرِ مَخْلُوقٌ لَا شكّ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)} [الأنعام: 25] كَمَا قَالَ جَهْمٌ وَالمَرِيسِيُّ سَوَاءً لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ وَالمَعْنَى: إِنْ هَذَا إِلَّا مَخْلُوقٌ، فَأنْكر عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ: فَقَالَ لِلْوَحِيدِ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)} [المدثر: 26] لَمَّا قَالَ (¬1): {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} [المدثر: 25]، وَقَالَ لِلَّذِي قَالَ: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)} [الأنفال: 31]:
¬_________
(¬1) قوله «لما قال»: ليست في الأصل، وأثبتته من «س»، «ع».

الصفحة 203