كتاب تفسير العثيمين: السجدة

فَتَضُرُّونِي" (¬١) فلا يَلْزَمُ من الأذى الضَّرَرُ، فها نحن الآن نتأذَّى برائِحَةِ إنسانٍ أَكَلَ بصَلًا أو ثُومًا ولا نتَضَرَّر، فلا يَلْزَمُ من الأَذى الضَّرَرُ، والرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - لا شكَّ أنَّه أُوذِيَ، ولكن ما ضَرَّه ذلك، والحمْدُ لله! صار الأَمْرُ والعاقِبَةُ للرَّسول - صلى الله عليه وسلم -.
وأمَّا قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} فالمعنى أنه لن يضرُّوكم أبدًا، ولكن مِن أذًى؛ ولهذا قالوا: إنَّ الإسْتِثْناءَ في هذه الآيَةِ مُنْقَطِعٌ.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى} {جَعَلْنَاهُ}: الضميرُ يعود على موسى أو الكِتاب؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَجَعَلْنَاهُ} أي موسى أو الكتابَ {هُدًى} هاديًا {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}].
{هُدًى} مصدرٌ، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّه بمعنى اسْمِ الفاعِلِ [هاديًا {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}]، واسْمُ الفاعِلِ صالِحٌ للكتابِ وصالِحٌ لموسى.
وقوله تعالى: {لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} بنو إسرائيلَ أي: ذُرِّيَّة إسرائيلَ، فيشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ، لكِنْ لو قُلْتَ: (بنو فلان) وهو شَخْصٌ، وليس هو بقبيلَةٍ، فـ (بنو): للذُّكور، فإذا قلْتَ مثلًا: (بنو محمَّدٍ) فالمعنى: الذُّكور، وإذا قُلْتَ: (بنو تميمٍ) فيشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ؛ لأنَّهم قبيلةٌ، وإذا قلتَ: (بنو آدَمَ) فيَشْمَلُ الذُّكورَ والإناثَ، وأما قوْلُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ الله عَلَى بَنَاتِ آدَمَ" (¬٢) فخاصٌّ بهنَّ.
وإسرائيلُ هو يعقوبُ بْنُ إسحاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وهُوَ نَبِيٌّ من الأنبياءِ، ويقولون: معنى (إسرائيلَ) أي: عَبْدُ الله، وهو لقبٌ له.
---------------
(¬١) أخرجه مسلم: كتاب البر، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.
(¬٢) أخرجه البخاري: كتاب الحيض، باب كيف كان بدء الحيض، رقم (٢٩٤)، ومسلم: كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (١٢١١)، من حديث عائشة - رضي الله عنهما -.

الصفحة 110