كتاب تفسير العثيمين: السجدة

وقوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} بمعنى الخالِيَة؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا} خالِيَةً من كلِّ شيء، أرضٌ جُرُزٌ لا شيءَ فيها، وليس فيها أيُّ شجرةٍ فيأتيها المطَرُ أو يأتيها ماءُ النَّهْر.
يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ} تأكُلُ منهم أنعامُهُم؛ أي: الإبِلُ والبَقَرُ والغَنَمُ، وكذلك غيرُها، لكنَّه خَصَّ الأنعامَ؛ لأنَّها أكثرُ بأيدي النَّاس وأكثرُ مُلابَسَةً، وقوله تعالى: {وَأَنْفُسُهُمْ} أي: إنَّهم يأكلونَ من هذا الزَّرْعِ النَّابِتِ منه.
والغالِبُ الذي يَنْبُت من الماء من الأنهارِ ومن السُّيول لا يحتاجُ إلى حَرْثٍ؛ إذ تُنْبِتُه الأَرْضُ، فكُلُّ البراري تَنْبُت بدون حَرْثٍ.
وقوله تعالى: {أَفَلَا يُبْصِرُونَ} الإسْتِفْهامُ هنا للتَّوبيخِ، يعني فالواجِبُ أن يُبْصِروا ما يرونه بأَعْيُنِهم ويستدِلُّوا به على كمالِ نعْمَةِ الله وقُدْرَتِه؛ وَيسْتَدِلُّون به على أَمْرٍ آخر وهو القُدْرَةُ على إحياءِ الموتى، فالأَرْضُ الجُرُزُ الخالِيَةُ من النَّبات يأتيها هذا الماءُ فتَنْبُتُ بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ فالله تعالى القادِرُ على إحيائها قادرٌ على إحياءِ الموتى.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: وجوبُ النَّظَرِ في الآيات؛ لأنَّ الإسْتِفْهامَ هنا للتَّوْبيخِ ولِلَوْمِ مَنْ لم يَنْتَفِعْ بذلك.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثباتُ أفعالِ الله الإختيارَّية؛ لقوله تعالى: {أَنَّا نَسُوقُ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بيان قُدْرَةِ الله؛ حيثُ يَسُوقُ الماءَ جوًّا أو برًّا إلى هذه الأَراضي الخالِيَة المَيْتة الهامِدَة فتَنْبُت؛ لقوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا}.

الصفحة 125