كتاب تفسير العثيمين: السجدة

فالآن نحن نَنْتَظِرُ أن يُنْزِلَ الله تعالى العذابَ في الكفَّارِ، لكنْ مع ذلك ندعوهم ونُقاتِلُهُم إذا كان لدينا قُدْرَةٌ.

من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ المكابِرَ يُعرَضُ عنه ويُتْرَكُ حتى ينزِلَ به العذابُ؛ فإذا رَأَيْتَ من يكابِرُ، تَأْمُرُه بالحقِّ ولكن يكابِرُ ويجادِلُ ويعانِدُ، فاتْرُكْه؛ لأن بقاءَكَ معه لا يُجْدي شيئًا، فالإنسانُ المكابِرُ الذي يقول: هذه لَيْسَتْ بِشَمْسٍ، ولكن هذا قَمَرٌ، وهو الآن في الضُّحى، ونقول: انظر الشَّمْس! قال: لا، أنت غلطان؛ نحن الآن بعْدَ صلاةِ العِشاء، وهذا الذي تراه إنما هو القَمَر؛ فهذا لا تَتَكَلَّمْ معه أبدًا، بل تَطْلُب من يَقْرَأ عليه أو من يداويهِ لأنه مجنونٌ، وكذلك من تُريهِ الحَقَّ مثلَ الشَّمْسِ والحَقَّ أَبْيَنَ من الشَّمْس، ثم يقول: لا، هذا غيرُ صحيحٍ، فإن هذا ينبغي أن يُطْلَبَ له من يداوي عَقْلَه قبل فِكْرِه؛ فهذا مكابِرٌ لا فائِدَة للكلامِ معه؛ ولهذا يقول الشاعر:
وَلَيْسَ يَصِحُّ في الْأَفْهَامِ شَيْءٌ ... إِذَا احْتَاجَ النَّهارُ إِلَى دَليلِ (¬١)
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ المُكَذِّبَ لا يَنْتَظِرُ إلا العذابَ؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ}.
وأما تفسيرُ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: {إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} أن يحِلَّ بك هلاكٌ أو نحوه؛ فهذا فيه نَظَرٌ، بل يقال: إنَّهم مُنْتَظِرونَ للعذاب لِكَوْنهِمُ اسْتَمَرُّوا على كُفْرِهم فهم كالمُنْتظِرينَ لما يَنْزِلُ بهم، وقد يقال: إنَّ الآيَةَ تَشْمَلُ المعنيينِ جميعًا؛ يعني: هم ينتظرون أن تموتَ ويَنْتَظِرون عذابَهُم باستمرارِهِم على المَعْصِيَة؛ كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
---------------
(¬١) البيت للمتنبي، انظر: ديوانه (ص: ٣٤٣).

الصفحة 131